هذا ليس جلداً للذات وإنماهو حب للوطن الذى ننتمى إليه وأول سمات الحب هو الصدق والصراحة أما الخداع للنفس والعيش في الاوهام فهو كارثة الكوارث. فى البداية أود أن أوضح أهمية ضرورة التمييز بين الريادة وبين الدور الريادة تتصل بالوصول إلى شئ قبل الآخرين، ولكن الدور مرتبط بعوامل عدة منها ما هو واضح وبارز ومنها ما هو كامن ومستتر، والريادة المصرية بالتأكيد تراجعت أما الدور المصرى فمازال قائماً وأن اختلفت تجلياته. ولا مراء في أن مفهوم الريادة من المفاهيم المرتبطة بعلوم عدة فى مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، ولقد شدنى مقال الدكتور سعيد اللاوندى في نهضة مصر بتاريخ 2008/4/17م، ومن حيث ا لمبدأ فاننى اتفق معه فى التحسر الشديد على فقدان أو لنقل تراجع الريادة المصرية، ولكننى احب ان اضيف بأن ذلك ليس مقصوراً على المجال الثقافى بل هو ممتد لمجالات عدة أخرى. ربما من المجالات القليلة الذى لم يفقد الريادة فيه هو مجال الفهلوة، وأضيف عن اقتناع وخبرة أيضاً مجال التميز علي المستوى الفردى، ولكن كلا الأمرين لا يمكنهما إحداث نقلة فى المجتمعات التى هى ليست عمل افراد فحسب، وانما هى محصلة نظام اجتماعى وثقافى واقتصادى وسياسى متكامل. ان التراجع فى المجال السياسى والاقتصادى والثقافى والاجتماعى بيننا وبين اخوتنا فى المنطقة العربية بالغ الوضوح، إلا لمن لا يرغب فى رؤية الشمس الساطعة، ولو اخذنا ابسط السلوكيات فى شوارع القاهرة حيث الفوضى أو فى مطار القاهرة حيث العامل يمسك ورقة التواليت يقدمها لمن يرغب فى الدخول أو حيث الرشوة اصبحت مرتبطة بصباح الخير وحمد الله على سلامتك وشاملة تقريباً كل الميادين، وحيث عدم تطبيق القانون، وحيث الاحصاءات غير الدقيقة والانتخابات البهلوانية، واحزاب الانابيب، والوزراء المعتقون والسياسيون المخضرمون وهكذا. ان هذه الحالة لا يمكن ان تنتج ريادة ولا أن تحقق تقدماً، ان القرن الحادى والعشرين هو قرن ثلاثة أمور في مجال التقدم وهي احترام حقوق الانسان وعدم التمييز، احترام المعرفة والتطور العلمى، اتاحة الفرصة لنقد الذات واكتشافها كوسيلة للتقدم، وأنا سبق وكتبت نقداً لمايسمى بالريادة المصرية التى كانت حقيقة حتى ستينيات القرن الماضى، ثم تراجعت حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن، والاخطر فى مفهوم تراجع الريادة إن النخبة المثقفة التى تقود المجتمع، لاتزال ترددها ولا ترغب فى تغيير منطقها ورؤية الحقائق رغم أن افراد هذه النخبة المثقفة عندما نتحدث إليهم فرادى يتحسرون على ما آلت إليه الاوضاع. عالم اليوم ليس هو عالم البطولة والابطال التى تحدث عنها توماس كارليل فى كتابه المشهور، وليس هو عالم الإعلام الذى ساد فى الخمسينات والسيتنيات بمنطق "بشرى ياعرب" ثم جاءت الطامة الكبرى، إنه عالم السماوات المفتوحة والفضائيات إنه عالم الحضارة المادية الملموسة، وهو عالم القوة العسكرية والاقتصادية، إنه عالم التكنولوجيا وعالم احترام كرامة الفرد ومشاركته فى القرار السياسى، إنه ليس عالم الاحتكارات، بل عالم يحاسب الزواج غير الشرعى بين الرأسمالية والسلطة، وان سمح بالتعاون بينهما، ولكنه يحاسب الذى لا يسدد ضرائبه مهما كان موقعه، بينما نحن نحاسب الموظف الصغير ونترك الرأسمالى المحتكر دون أدنى حتى مسئولية اجتماعية. لماذا فقدنا الريادة لاننا لجأنا لمنطق الفهلوة وتقديس السلطة، ونسينا البناء زاد النفاق الذى تحدث عنه يوسف السباعى فى رواية نفاقستان، وأصبح وسيلة للوصول للمنصب، أما قول الحقيقة فأصبح مثل العنقاء لا وجود له، أو هو نادر مثل الانتخابات النزيهة نسمع عنها ولا نلمس آثارها، أصبح اساتذة السياسة والإعلام كذلك واساتذة الاقتصاد وهكذا، أصبح العلم سلعة وليس منهج بحث وتربية، ولذلك تراجعت جامعاتنا، إن تراجع جامعة القاهرة العريقة مرجعه تراجع البحث العلمى والإنتاج العلمى وللأسف الجامعات الخاصة أسوأ ولا تجد فى معظمها سوى تجارة العلم. إن هذا ليس جلداً للذات وإنماهو حب للوطن الذى ننتمى إليه وأول سمات الحب هو الصدق والصراحة أما الخداع للنفس والعيش في الاوهام فهو كارثة الكوارث. ولكن هل لدى مصر مقومات الريادة أقول نعم أن لديها هذه المقومات ولكنها كامنة إن لديها إمكانيات علمية وثقافية وسياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية، والاهم من ذلك لديها الانسان المصرى الذى يتميز بثلاث خصال هى الجلد والتفوق والصبر، ولكن كل السمات الحسنة لتلك الخصال تتحول إلى نقيضها فى تراجع واضح، حيث الاهوال وعدم الاتقان والرعونة واستعجال النتائج، ماهو الحل إذن؟ إنه يحتاج إلى إرادة سياسية بفكر استراتيجي مستنير يقدم القدوة للمجتمع ويقودة بقوة القانون السليم الذى يجب أن ينطبق على الجميع، إن هذا ليس أمراً صعباً، إذ انه تحقق فى الصين وفى ماليزيا وفى الهند وفى غيرها من الدول النامية فى سنوات قلائل، ولكن يجب أن نبحث عن نقطة البدء ونطلق شعلة التقدم ليس بالشعارات وإنما بالسلوك الملموس، وهل يمكننا اكتشاف نقطة البداية هذه؟