كعادتها في معظم المهرجانات السينمائية الدولية المهمة، تتواجد اسرائيل بقوة في مهرجان برلين السينمائي، فإضافة إلي الفيلم الروائي الطويل (Restless) للمخرج الإسرائيلي "أموس كوليك"، الذي شارك في المسابقة الرسمية، هناك 4 أفلام ما بين روائي ووثائقي ضمن أقسام (بانوراما)، (المنتدي) و(خاص) سنتعرض لها تفصيلاً لكن يستوقفنا منها فيلمان وثائقيان يطرحان قضايا مثيرة للجدل؛ أولهما الفيلم الوثائقي الإسرائيلي (شارون)، الذي علق مخرجه علي أحد حضور الفيلم الذي عرض في قسم "البانوراما" قائلاً:"هذه ليست سوي نسخة دولية، بينما هناك نسخة أخري إسرائيلية"، وكانت قد سألته عن سبب تجاهله الحديث عن قضايا الفساد التي لاحقت "شارون" في فترة رئاسته للوزارة، ولم تسقط عنه عقب دخوله في غيبوبة منذ يناير 2006. ويرصد الفيلم حياة شارون السياسية والخاصة منذ بدء تقدمه للانتخابات الإسرائيلية عام 2001؛ عندما فوجئ بزوجته تمنعه عن ذلك "لأن الجميع يكرهونه". حيث لم يتصور أحد من الإسرائيليين أنه قد ينجح وفق شهاداتهم داخل الفيلم، واعتبروا ذلك "مزحة" (!) ويستضيف الفيلم عشرات الشخصيات الإسرائيلية، إضافة إلي شخصيات أجنبية قليلة أبرزها وزيرة الخارجية الأمريكية "كوندليزا رايس". بينما كان كبير المفاوضين الفلسطينيين "صائب عريقات" هو العربي والفلسطيني الوحيد في الفيلم، ولوحظ أنه علي الرغم من تحدثه بالانجليزية فقد جري وضع ترجمة لكلامه علي عكس الآخرين الذين كانوا يتحدثون بالانجليزية.. في اسقاط خبيث علي أنه لا يجيد التحدث بالانجليزية! ومن المهم القول أن تنفيذ الفيلم استغرق حوالي ست سنوات، ويحوي كثيرا من اللقطات غير المذاعة سابقا، منها اجتماع "شارون" مع مستشاريه لتعديل أحد خطاباته، وبدا واضحا حرصه علي التأكد من معني كل جملة، وإعادة كتابتها من جديد بنفسه. أما المخرج "درور مورير" الذي كان جندياً في بداية حياته، فقد كان يعتبر "شارون" رجل حرب، ولم ينتخبه في الانتخابات الأولي، لكنه تحول إلي العكس في الثانية، بعدما اعتبر أن "شارون" كان شجاعاً عندما قرر أن يتحول من رجل حرب إلي رجل سلام(!) ويزعم المخرج أن "شارون" كان القائد الأخير الذي أعطي فرصة حقيقية للسلام، وذكر لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي "دولة فلسطينية". وهكذا كان واضحا أن الفيلم يقدم "شارون" كشخصية إيجابية وبتعاطف كبير؛ حيث نوه إلي الضغوط التي كان يتعرض لها، والتي لا تنتهي بدءا من التفجيرات "الانتحارية"، للفلسطينيين طبعاً(!) وصولا إلي الضغوط الداخلية، بينما تجاهل الفيلم تماما ذكر اسباب هذه التفجيرات، أو السبب وراء عدم قدرة ياسر عرفات علي وقفها، وهو ما فسره المخرج للحضور بعد عرض الفيلم، بأنه يقدم تفاصيل حياة "شارون" وليس فيلما وثائقيا عن الصراع العربي الإسرائيلي. والفيلم مليء بلقطات ومشاهد ملفتة عن كيفية تعامل الإسرائيليين مع رئيس الوزراء "شارون"؛ أبرزها مشهد زيارته لإحدي المستوطنات التي تعرضت للقصف لثمانية أشهر متتالية، حيث تصرخ فيه امرأة بقولها: "أنت رجل حرب.. يجب أن ترد علي ما يحدث... ابدأ حربك وأعد لنا أرضنا"(!) مثلما بدا واضحا التعاطف الشديد ل "كونداليزا رايس" مع "شارون" وإسرائيل في ذكرها المستمر للألم الذي ألم بها وبه مع كل عملية انتحارية دون أي تنويه إلي ما يحدث للفلسطينيين. مايستحق الذكر هنا أن الفيلم ليس الأول عن "شارون" في برلين؛ فقد عرض عام 1997 ضمن قسم (المنتدي) فيلم بعنوان "كيف تعلمت أن أنتصر علي خوفي وأحب أرييل شارون " How I learned to overcome my fear & love Airk Sharon للمخرج "أري موجرابي". ويبقي هذا متوقعا من أي انتاج إسرائيلي يريد تقديم وجهات نظر معينة، وهو ما تكرر مع فيلم وثائقي إسرائيلي آخر بعنوان "شهيدة _ عرائس الله" عرض ضمن قسم المنتدي، ومخرجته إسرائيلية هي "ناتالي أسولين" (36 عاما)، ترصد حياة سجينات فلسطينيات في إسرائيل، تنحصر تهمتهن في المساعدة علي التفجيرات الانتحارية أو المحاولة الفاشلة للتفجير. وأكدت مخرجة الفيلم لحضور العرض، أنها حذفت أي أسباب سياسية من أقوال السجينات، لأنها تريد أن تقدم فيلما غير أيديولوجي ولا علاقة له بالسياسة، وهو تفسير يتناقض بل يتنافي تماما مع التحليل المنطقي لدوافع الفلسطينيات، اللاتي تلفت إجابتهن النظر، خصوصاً عندما اجبن علي سؤال المخرجة عن سبب قيامهن بالمساعدة أو محاولة التفجير "الانتحاري" بقولهن: "نيل الشهادة والصعود إلي الجنة"، وهي اجابة تعكس تغيراً خطيراً في الذهنية وميلها إلي تغليب العقيدة أولاً بعكس الاجابات السابقة التي كانت لا تخرج عن: "لتحرير الأرض والرد علي الظلم"، وفي هذه النقطة تحديداً تكمن أهمية الفيلم، الذي يفتقد أي تميز سينمائي، ولم تحاول مخرجته طرح الكثير من التساؤلات المرتبطة بالموضوع ذاته، وأبرزها السبب في وضع جميع السجينات الفلسطينيات في مكان واحد، بما سيشكله ذلك من تزايد النقمة داخلهن، وهو ما ظهر واضحا لدي بعضهن.