لن تشغلنا طويلا نقطة تقديم المنتج وائل عبدالله، في "تترات" ودعاية فيلم "كلاشينكوف" بوصفه كاتب القصة، وتصدي الفنان محمود البزاوي لمهمة صياغة السيناريو والحوار للفيلم الذي اخرجه رامي امام لكن الامر المؤكد ان هذه التركيبة العجيبة وغير المتجانسة تركت تداعياتها علي التجربة بحيث بدا وكأن كل واحد منهم ادلي بدلوه في الفيلم وانتهي الامر الي صنع "مسخ" يصعب عليك ان تتبين ملامحه لفرط التشويه الذي اصابه، او تعرف له "رأسا من رجلين"! العجيب ان بداية الفيلم كعادة السينما المصرية اتسمت بقدر من الاثارة والجاذبية سواء من ناحية اختيار المخرج رامي امام لزوايا التصوير "كاميرا هشام سري" والمؤثرات البصرية والصوتية "لاحظ خروج طلقة رصاص "الكلاشينكوف" في لقطة اغتيال تاجر السيارات وديكور سامر الجمال في الملهي الليلي الذي يملكه صلاح عبدالله، واطلق عليه "الغواصة" وهو كذلك بالفعل، ومنه يدير صفقاته المشبوهة لحساب مافيا توظفه للتخلص من اعدائها ويستثمر بدوره الظروف الاقتصادية والاجتماعية للشاب "خالد دياب" محمد رجب ليجعل منه رصاصة الرحمة للكبار الذين يتعامل لحسابهم والعذاب ل "خالد" الذي يشعر بتأنيب الضمير لحظة ان يكتشف الجرم الذي يرتكبه في حق ضحاياه واحساسه بانه تحول الي قاتل اجير وهو الشعور الذي تؤججه مذيعة التليفزيون هند الراوي - غادة عادل- ببرنامجها "سري جدا" الذي يحاكي ظاهرة برامج الاعترافات الذاتية و"الفضفضة" الشخصية وترفع من خلاله شعار ان المرء لديه من الاسرار ما يخفيه عن اقرب الناس اليه وهو الشعار الذي يتبين فيما بعد انه يعكس تجربة شخصية للمذيعة نفسها التي تزوجت وطلقت بعد ستة اشهر ولما انجبت اخفت الخبر عن الجميع باستثناء شقيقتها التي تولت تربية طفلها حتي لا تخسر فرصتها في موقع المذيعة الذي اشترط اصحاب القناة ان يذهب الي آنسة "!" محور مثير لفيلم كان يمكن ان يتحول بسهولة الي عمل فني متماسك لكنك تندهش لهذه القدرة المدهشة لاصحابه في تحويله الي فرصة ضائعة، سواء بسبب "الاستسهال" في الكتابة، او الخوف من مواصلة شوط المغامرة حتي النهاية فعلي صعيد الكتابة يتحول الفيلم الي كوميديا هزلية غيرمتعمدة بالطبع في اللحظة التي يتقمص فيها البطل- محمد رجب- شخصية ضابط امن الدولة الذي كلف نفسه بهذه المهمة، لحماية المذيعة من المافيا التي وضعت اسمها علي قائمة المطلوب تصفيتهم جسديا خشية ان تكون قد تحصلت علي اسمائهم من ضيفها الاخير الذي اغتيل في اشارة مرور وهي مناسبة للاشادة بلحظات التوتر والاثارة التي خلقها المخرج رامي امام في اكثر من موضع بالفيلم وان افلت منه الايقاع احيانا ففي الوقت الذي توقعنا فيه ان تزداد اثارة الفيلم كانت الصدمة ان مال اداء محمد رجب الي التهريج وافتعال مواقف كوميديا ساذجة ناهيك عن اقتحامه غير المبرر لمنزل المذيعة، وسيادته عليه وعلي ساكنيه، وكأنه ولي أمرهم في الوقت الذي تدعي فيه شقيقة المذيعة بأنها ظلت طوال عمرها تحظر دخول الرجال بيتها رافعة شعار البرنامج "سري جداً" ، ولم يقتصر الأمر علي هذا الاقتحام بل انقلب إلي تطاول وتجرؤ من الضابط المزعوم علي المذيعة وكأنها طليقته أو عشيقته المتيمة في غرامه(!) وحتي "الافيهات" جاءت غير مستساغة وأيضاً اللهجة التي تتناقض وكونه ضابطاً في أمن الدولة، وعلي هذا النهج "التهريجي" سارت احداث "كلاشينكوف" أو بالاحري انحرفت عن المسار، وعلي غير المتوقع اتسمت مشاهد استئجار قاتل آخر محترف لاغتيال المذيعة بالملل، والاختيار الخاطئ لقاتل بدا وكأنه "جرسون" علي أكثر تقدير(!) وحتي التفاصيل الصغيرة التي ألقي بها السيناريو في طريق الممثلين أنفسهم، والجمهورفيما بعد لم يتم استثمارها كاللوحة المرسومة للضابط الوهمي، التي رسمتها عاشقة ترابه "شيري" وأفرط السيناريو في محاولة إلصاق تهمة افشاء اسرار المذيعة وتحركاتها بشقيقتها، طمعاً منها في بوليصة التأمين علي حياتها ولم يكن بمقدور المخرج رامي إمام سوي أن يصنع فيلماً علي طريقته الخاصة، بعيداً عن السيناريو الذي لا وجود له، فهو الذي وظف المؤثرات البصرية والصوتية بشكل مبهر، وهو أيضاً الذي استثمر مشهد تقاذف أنابيب "الكاتشب" و"المايونيز" في تقديم صورة جميلة اختلط فيها اللونان الأحمر والأصفر في كادر، ترك تأثيراً مبهجاً في النفس، دون أن تكون له علاقة بأية ضرورة درامية، ولم يختلف الأمر كثيراً في بقية أحداث الفيلم، التي تبهرك في شكلها لكن لا معني لتوجهاتها، فالخوف الواضح من جدية القضية والقلق من انصراف الجمهور (باتا) الهاجس الذي سيطر علي الجميع، وقادهم إلي الاستخفاف بالقضية والجمهور الذي لم يصدق انه حيال مذيعة صاحبة برنامج "يهز الدنيا"، بل مجرد طفلة غريرة ترتمي في أحضان أول عابر سبيل في حياتها(!) ولم يصدق الجمهور الاقتحام المفاجئ للأغنية، التي كررت كلمات استمع إليها للتو علي لسان شخصيات الفيلم، ولولا الاثارة في مشهد مواجهة الضابط المزيف لرجال الداخلية، ونجاحه في خداعهم والمواجهة الأخري بين المذيعة و"طه أبو دقه" صلاح عبدالله، التي بدا وكأنها تقود إلي لعبة القط والفأر، ثم انتهت إلي العدم لما صار في "كلاشينكوف" ما يستحق التوقف، فالطليق الذي ظهر في السجن لم يضف جديداً سوي الكشف عن السر الدفين للمذيعة، واطلاق البطل للرصاص وتدمير "الغواصة" مجرد استعراض عضلات، ومحاولة جديدة لاشاعة جو من الفوضي غير المبررة، ومشهد تحطيم الحوض الزجاجي للأسماك رأيناه في مئات الافلام العالمية من قبل، والفارق أن"كلاشينكوف" لم يستثمره لا جمالياً ولا درامياً ، ويبقي في ظل هذه الاخطاء الفادحة مشهد القناص الجديد فوق احد التلال الرملية وهو يغتال البطل بين أحضان من وجد بينهم الحب والدفء والحنان بما عوضه سنوات الحرمان والبؤس والشقاء الذي لم يره أحد مطلقاً علي الشاشة (!)، وكان طبيعياً في ظل هذا التلفيق والزيف والافتعال أن تلمح عن بعد مصدر ضوء خلف القناص، في الصحراء الجرداء(!) وتصل سيارات الشرطة بعد فوات الأوان لتعيد للأذهان مشهداً يقطر بالتقليدية في أفلام الاربعينيات .. ولا عزاء للسينما المصرية!