في واقعة لم تغب يوما عن ذاكرة السينمائيين والمهتمين، انجز الفنان المبدع صلاح مرعي حارة مصرية كاملة في استديو الأهرام لتصبح ساحة لتصوير فيلم "الجوع" اخراج علي بدرخان وعلي غير العادة لم ينته التصوير بهدم ديكور الحارة، وانما تقرر، بوعي غير مسبوق، الابقاء عليها بعد شرائها من منتج الفيلم ممدوح يوسف وآلت ملكيتها لاستديو الأهرام وباتت "حارة الجوع" من أهم معالمه تماما مثلما كانت "حارة نحاس" في الاستديو الذي يحمل الاسم نفسه. ما مناسبة الحديث عن "حارة الجوع"؟ ولماذا استدعينا تلك الواقعة؟ المناسبة أنه في بلاتوه "1" باستديو الأهرام ايضا، وكأن التاريخ يعيد نفسه قام المهندس صالح المرسي بتصميم وتنفيذ ديكور لقصر الجوهرة يحاكي القصر الحقيقي الموجود في القلعة لتوظيفه في تصوير مسلسل "علي مبارك" بطولة كمال أبوريا واخراج وفيق وجدي وتأليف محمد السيد عيد، الذي اختار ان تدور الأحداث في الفترة من عام 1840 وحتي لحظة الاحتلال الانجليزي لمصر، وبلغت روعة الديكور وبراعة "المرسي" الحد الذي دفع كل من زار البلاتوه وشاهد الديكور، للظن انه اخترق الزمن للوراء وعاد إلي مصر الخديوي عباس الأول، الذي يجسد دوره في المسلسل الفنان أحمد حلاوة ، فكل شيء يدعوك للانبهار، وليس فقط الاعجاب، سواء نقوش الأرضيات أو زخرفة الجدران، واحساس الفخامة الذي غير كل ركن في المكان، والذي امتد إلي الأواني والتماثيل الضخمة التي تزين جوانبه والقطع الأثريةوالسجاجيد التي تفترش الأرض وكأنها وصلت للتو من اسطنبول أو طهران، والأعمدة ذات الصبغة الذهبية، التي توحي والمطعمة بالنفائس النادرة وتعكس المهابة والفخامة التي ميزت هذه الحقبة الملكية والعثمانية وحتي الهلال الذي تتوسطه النجمة والتاج الذي يعلو كرسي العرش، فكل تفصيلة توحي بأن جهدا كبيرا بذل من مهندس الديكور وفريق عمله لتنقلك إلي ذلك العصر، وتضفي مصداقية كبيرة علي أحداث المسلسل، الذي سيشهد صراعات ومؤامرات تلقي الضوء علي ما كان يحدث في تلك الفترة التاريخية، حيث يحذر الخديو عباس الأول أولاد عمه: الأمير إسماعيل، ويقوم بدوره الممثل أحمد وفيق، والأمير أحمد رفعت ويقوم بدوره أيمن عزب، والأمير سعيد، ويقوم بدوره عمرو عبد العزيز وايضا الأميرة نازلي التي تجسد شخصيتها نادية رشاد، من المؤامرات التي تحاك ضدهم. وقد بدأ التصوير في القصر البديل بوصول الخديو عباس الأول إلي السلطة بعد زوال عهد إبراهيم باشا، ويشارك بالبطولة اضافة إلي كمال أبوريا، الذي يجسد شخصية علي مبارك، رانيا يوسف وباسم سمرة ومحمود الجندي وميرنا وليد وايناس النجار مع جليلة محمود وجيهان قمري. ويبقي السؤال: هل تحرص شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات، برئاسة إبراهيم العقباوي، علي بقاء هذا الديكور الضخم بغية استخدامه في مسلسلات تاريخية أخري، أم تصدر الأوامر بهدمه وتدميره عقب انتهاء التصوير مباشرة ونهدر بهذا الأموال الضخمة، والأهم الجهد الكبير الذي يبذله فريق العمل برئاسة المهندس صالح المرسي لتصميمه وانجازه؟ ومع التفكير في تصوير عمل تاريخي جديد ننفق الأموال مرة أخري علي ديكور مماثل؟ الوضع يحتاج إلي تدخل سريع، وفوري من قيادات اتحاد الإذاعة والتليفزيون وعلي رأسهم أحمد أنيس ووزير الإعلام أنسي الفقي، إذا لزم الأمر، لانقاذ هذا الديكور من الضياع، واعتباره ثروة لا تقدر بمال، واستثماره تجاريا في حال تصوير أعمالا أخري علي هذه الشاكلة وفي الأفق مشروع فيلم "محمد علي" - علي سبيل المثال - أو بيعه لاستديو الأهرام، فالبدائل كثيرة والخطوة الأولي في هذا الصدد ان يصدر قرار فوري بالابقاء علي قصر الجوهرة "الديكور" ما دامت اللوائح البيروقراطية تحول دون التصوير في الأصل.