في الآونة الأخيرة صدرت عدة فتاوي سواء من الإمام الأكبر أو من مفتي الجمهورية أو من رجال دين علي الفضائيات سببت لغطا كبيرا _ و ليسمح لي الأستاذ الدكتور علي جمعه مفتي الديار المصرية أن أستخدم فتواه الأخيرة نموذجاً في تناولي للموضوع في محاولة للإجابة علي سؤال المقالة. أفتي الدكتور علي جمعة، مُفتي الجمهورية، بأن المصريين الذين غرقوا مؤخرا علي السواحل الإيطالية ليسوا شهداء، لأنهم لم يكونوا علي سفر في سبيل الله. وقال المُفتي خلال محاضرة طلبة كلية دار العلوم بجامعة القاهرة: " إذا بحثنا عن الأسباب التي دفعت ال081 مصريا، الذين غرقوا أثناء السفر لإيطاليا، سنجد أنها الطمع والبحث عن المال، لأن كلا منهم دفع 52 ألف جنيه لكي يسافر، وهذا يعني أنهم ليسوا فقراء، ولا يعانون البطالة، وكان بمقدور الفرد أن يستثمر هذا المبلغ في مشروع تجاري بدلا من السفر للغرق في إيطاليا". وأضاف: "هؤلاء ألقوا بأنفسهم إلي التهلكة وليسوا شهداء، بعكس رجل المطافئ الذي يلقي بنفسه في النار لينقذ غيره، فهو شهيد في سبيل الله". وفي رده علي سؤال حول موقفه من الاختلاط بين الأولاد والبنات قال جمعة: " الاختلاط الذي يعني المشاركة مباح، ونحن عندما نجلس معا في هذه القاعة (بنين وبنات) فهذه مشاركة، وإذا كان هذا هو معني الاختلاط فهو جائز شرعا، لأن النبي صلي الله عليه وسلم جعل الرجال والنساء يصلون في مسجد واحد، كما أنهما يحجان لمسجد واحد". وحول ارتداء المرأة البنطلون، أكد المُفتي " أنه يجوز شرعا مادام هناك التزام بصفات الزي الشرعي في ستر العورة، بحيث لا يصف ولا يشف ولا يكشف "، موضحا أن ارتداء المرأة البنطلون يكون في بعض الأحيان أفضل في ستر العورة عندما يشتمل علي هذه المحددات الشرعية. ثم استدرج بعد يومين( فترة تفكير) موضحاً في لقائه بمديري الإدارات بدار الإفتاء أن فتواه التي أصدرها، وأكد فيها أن " المغامرين بحياتهم من أجل طموحهم المادي ليسوا شهداء". قال المفتي إن الشريعة الإسلامية حريصة كل الحرص علي الحفاظ علي حياة وأرواح أبنائنا الشباب، مستقبل أمتنا وحاضرها، وأن الشريعة ترفض وتحرم علي المسلم أن يعرض حياته أو جسده للأذي حتي ولو كان لطلب الزيادة في الرزق من خلال السفر إلي دول أخري بطرق وأساليب غير مشروعة وغير آمنة، والتي تؤدي إلي الهلاك أو التوقيف أوالسجن أو الغرق في الوقت الذي يأمن فيه ويسلم في بلاده. وأضاف المفتي، أن تحديد وبيان رأي الشرع في كون هذا الشخص أو ذاك من شباب أمتنا الذين لقوا حتفهم غرقي قبالة السواحل الإيطالية شهداء أو يأخذون أجر الشهداء من عدمه، إلا بعد الإدراك الكامل لأهداف ونوايا كل شاب علي حدة، ومن وراء هذا، وما الدافع له؟ أما بالشكل الظاهر من أن كونهم غامروا بحياتهم من أجل طموحهم المادي أو غير ذلك من الأمور الدنيوية في الوقت الذي يأمنون في أوطانهم ليسوا بشهداء، لأن هجرتهم غير المشروعة وغير الآمنة، والذهاب إلي الهلاك، فيها مخالفة صريحة لله، ومخالفة ولي الأمر، ومخالفة للقوانين المسنونة في السفر والخروج من البلاد بطريقة غير شرعية. ودعا المُفتي جميع المؤسسات المدنية إلي المساهمة في القضاء علي ظاهرة البطالة التي أصبحت تهدد أمن البلد. من ناحية أخري أصدر مجمع البحوث الإسلامية، برئاسة الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، بياناً يؤكد فيه أن هؤلاء الشباب الغرقي " شهداء" - في نفي واضح وصريح لفتوي جمعة، الذي حضر الاجتماع - الذي استمر 3 ساعات كاملة - وأصر علي رأيه، ولكن الأغلبية أكدت قول الرسول صلي الله عليه وسلم، في حديثه الصحيح: " الغريق شهيد". وقدم المجمع تعازيه لأسر الضحايا، وقال في البيان: " مجمع البحوث الإسلامية يقدم خالص العزاء لأسر أولئك الشهداء الذين وافاهم أجلهم، وهم مسافرون بحثاً عن الرزق الحلال". من جهة أخري، قال المفتي: " نحن نشعر بحزن شديد لما حدث، ولكنني لا أستطيع أن (أزين) للمخطئ خطأه وأقول إنهم شهداء، ولكن ربنا يجازي اللي كان السبب"، مطالباً بدراسة الأخطاء التي كانت وراء ذلك. أولاً : لدي عدة أسئلة... أتمني أن أتلقي عنها إجابات. - هل ماجاء علي لسان المُفتي يعد رأيا أم فتوي ؟ - من له حق الإفتاء دار الإفتاء أم مشيخة الأزهر ؟ - هل الفتوي مُلزمة أم مجرد استشارة ؟ - عواقب الفتوي الخاطئة علي من... علي من أفتي أم مُفعل الفتوي ؟ - هل الفتوي اجتهاد فرد أم مؤسسة ؟ - هل يوجد فرد يتمتع بمؤهلات التفرد بالإفتاء ؟ - لماذ انتشرت ثقافة طلب الفتوي في الآونة الأخيرة؟ و هل حاجة المجتمع للإفتاء دليل عدم نضج ؟ و هل هذا يتعارض مع الدولة المدنية ؟ - هل تكريس ثقافة الطاعة العمياء و التقليد و الاتباع بدلاً من التفكر و التدبر و اتخاذ القرار و تحمل المسئولية مطلب سياسي ؟ ثانياً : نحن في حاجة ماسة إلي : 1- التأكيد علي احترام الفقهاء _ مع ضرورة التأكيد علي عدم غلق باب النقد و أن هناك فرقا كبيرا بين الاحترام و التوقير و بين إضفاء مظاهر العصمة من الخطأ علي بعضهم. 2- والأهم من هذا وذاك أن نعي الفرق بين الفتوي والرأي. فالفتوي عملية علمية متخصصة في استنباط حكم شرعي من مصادره وبأدوات الاستنباط المعروفة، والمعتمدة علي الإحاطة بمجموعة من العلوم الضرورية لعملية الاستنباط، كعلم أصول الفقه، وعلم الكلام، وعلم الحديث، وبعض علوم القرآن، وعلوم اللغة من نحو وبلاغة وغيرها. أما الرأي والموقف السياسيان فلهما معايير و أدوات أخري. إذن المشكلة تكمن في اعتبار الآراء والمواقف السياسية للفقهاء بمثابة الفتوي، وعدم التمييز بين الرأي والفتوي. فعندما يكون لرجل الدين رأي، فهو متساو مع كل المواطنين، فإذا كان يشغل منصباً سياسياً إضافة إلي كونه فقيهاً، فرأيه يتساوي مع آراء السياسيين الآخرين و لا يتحول مطلقاً إلي فتوي. 3- نحن في حاجة ماسة إلي مؤتمر سنوي للبحوث الفقهية، و بحث مستجدات الواقع و العلاقة بين الفقه والواقع. 4- أن الفتوي يجب أن تصدر عن مؤسسة _ مهما علا شأن الفرد. 5- ابتعاد المؤسسة الدينية عن دائرة السياسة، لأن السياسة ليست من اختصاصها. ويوقعهم التدخل في حرج شديد و يفقدهم الكثير من المصداقية علاوة علي أن هذا التدخل يفسد الدائرتين الدينية و السياسية معاً.