في صالة الألعاب الرياضية التابعة لقاعدة "الناتو" العسكرية في كابول، يمارس الجنود الرياضة علي أجهزة المشي والركض الموزعة في أنحاء القاعة ويحملقون في نفس الوقت في الشاشات القريبة منهم لمتابعة البرامج التي تبثها قناة "الجزيرة" الدولية الناطقة بالإنجليزية. وعندما يكون الخبر الرئيسي عن أسامة بن لادن، ويكون الموضوع الذي يتحدث فيه هو العراق كما حدث مؤخراً، فإن درجة الاهتمام والتركيز تتزايد بشكل واضح. ويذكرنا هذا بما كان يقوله وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد عن محطة "الجزيرة" وأنها ليست سوي "بوق القاعدة" وأنها "قناة شريرة وغير دقيقة في معلوماتها بشكل لا يمكن السكوت عليه". وفي إجراء يكشف عن الكيفية التي تنظر بها إدارة بوش لقناة "الجزيرة"، كانت قد اعتقلت "سامي الحاج" أحد مصوريها وزجت به في معتقل جوانتانامو، دون أن، توجه إليه تهمة منذ خمسة سنوات أو أكثر. بيد أن اختيارات المشاهدة في قاعدة "الناتو" في كابول ربما تكون أكثر تعقلاً بكثير من رؤية رامسفيلد ورؤية أمريكا ذاتها. فالحقيقة هي أن أمريكا بأسرها، وليس فقط جنودها في الخطوط الأمامية، بحاجة إلي مشاهدة محطات غير أمريكية، كي تدرك إلي أي حد تغير العالم. والتغير الأول الذي يجب علي أمريكا إدراكه هو أن قدرتها علي التأثير علي الشعوب قد تقلصت كثيراً. فقدرة أفراد الشعوب علي الوصول إلي المعلومات اليوم، تزايدت بدرجة هائلة مما وسّع من نطاق الخيارات المتاحة أمامهم بشكل غير مسبوق. فالقنوات الفضائية اليوم لم تعد قابلة للرقابة كما كان الحال بالنسبة للقنوات الأرضية، وهو ما يجعل المشاهدين في مناطق مختلفة من العالم، يقبلون علي مشاهدة قنوات غير أمريكية، لأن أمريكا تبدو لهم دولة متعالية، إقصائية، كما أنها قد تكون أقل ارتباطا بمستقبلهم -في بعض المناطق. أما التغيير الجوهري الثاني، فيتمثل في تآكل القوة الأمريكية، وهو ما تطلق عليه "سامانتا باور" المؤلفة المعروفة والأستاذة بجامعة هارفارد"الحقيقة الجوهرية في السنوات الأخيرة". تستطيع أمريكا أن تقول - كاستجابة لكل تلك التغيرات- فليذهب هذا العالم الناكر للجميل للجحيم!.. كما تستطيع أيضاً أن تدمْدم بالحديث عن الحرب العالمية الثالثة، أو ربما الرابعة. ولكن كل ذلك يعبر في الجوهر عن حقيقة لم تعد خافية علي أحد، وهي أن ثمة في أمريكا انحداراً نحو الأسفل. هناك استجابة أفضل أمام أمريكا، تختلف عن كل تلك الاستجابات السابقة، وهي محاولة استيعاب العالم الجديد المتعدد الشبكات وتقبله كما هو. وبعض الفضائيات غير الأمريكية تقدم مدخلاً جيداً لهذا العالم. فعلي رغم أنها قد تكون ذات هوي، وعلي رغم أنها يمكن أن تعرض صورة بن لادن علي شاشاتها وتتركها هناك لعدة دقائق بطريقة تجعل المرء يشعر بالغثيان، إلا أن ما يمكن أن يقال بشكل عام هو أنها قنوات متوازنة، وتسمح بالتعدد في زوايا الرؤية بقدر الإمكان. وعلي رغم ذلك فإن قناة "الجزيرة" الإنجليزية مثلاً تعرضت للتهميش في الولاياتالمتحدةالأمريكية لأسباب يعبر عن بعضها "جيم موران" النائب "الديمقراطي" (عن ولاية فرجينيا) عندما قال لي: "هناك بالقطع موقف مضاد لتلك القناة هنا فحواه أن هؤلاء القوم هم أعداء الولاياتالمتحدة... ولكن الحقيقة هي أن هؤلاء القوم لهم مصداقية في أماكن مثل الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا لا تتمتع بها الولاياتالمتحدة ذاتها علي رغم أنها تحتاج إليها بصورة ماسة". ويقول النائب "موران" إنه قد قابل مؤخراً المديرين التنفيذيين لقناة "الجزيرة" باللغة الإنجليزية، وعلم منهم أن القناة لديها خطط لمد خدماتها بحيث تشمل كافة أنحاء الولاياتالمتحدة، حيث لا يتم التقاطها في الوقت الراهن سوي في "توليدو" و"أوهايو" من خلال بعض شركات تزويد خدمة "الكابل". وتخضع شركات تزويد خدمات "الكابل" لضغوط من بعض منظمات الرقابة التي تكيل الاتهامات ل"الجزيرة" بأنها قناة لا تراعي الدقة ولا الحياد في تغطيتها، وأنهم يجب ألا يمنحوها موطئ قدم في أمريكا. وقد خضعت معظم تلك الشركات لتلك الضغوط واتخذت قرارات بعدم التعاون مع القناة المذكورة، وإن كانت قد ادعت أنها لم تخضع لضغوط السياسة في قراراتها، وهو ما ينفيه النائب "موران" الذي يقول إن السبب في موقف تلك الشركات هو "الأهواء السياسية، وبنية تلك الشركات المصممة علي تجنب المخاطر في المقام الأول. ولكن هذه الأهواء السياسية تضر أمريكا التي يجب أن تدرك أنها كي تكسب معاركها يجب أن تفهم العالم الذي تعيش فيه، علي حقيقته.