هناك لحظات في التاريخ تبرهن علي أنها حاسمة وتمثل نقطة تحول للمستقبل. وكانت الحرب الأهلية الأمريكية مثل هذه اللحظة في الولاياتالمتحدة. وانهيار جدار برلين كان كذلك بالنسبة لألمانيا والاتحاد الأوروبي. واليوم هو لحظة الحقيقة بالنسبة لباكستان. فالقرارات التي تتخذ الآن ستحدد ما إذا كان التشدد والإرهاب يمكن احتواؤهما في باكستان لإنقاذها من الانهيار الداخلي. فالاستقرار علي المحك، ليس في باكستان وحدها وإنما في العالم المتحضر برمته. في باكستان الديمقراطية، كان وجود الحركات المتشددة في الحد الأدني. وفي جميع الانتخابات الديمقراطية في بلدي، لم تحصل الأحزاب الدينية المتشددة أبداً علي أكثر من 11% من الأصوات. والتشدد في ظل الديمقراطية كان مهمشاً من قبل الشعب الباكستاني. ولكن في ظل الدكتاتورية وبالأخص في ظل رئاسة الدكتاتور العسكري الجنرال محمد ضياء الحق في الثمانينيات وأيضاً تحت رئاسة الجنرال برويز مشرف خلال هذا العقد للأسف تمكن التشدد الديني من الحصول علي موطئ قدم في بلادي. وسواء تلاعب قادة مثل ضياء الحق بالدين واستغلوه لغاياتهم السياسية، أو كانت الدكتاتورية بحد ذاتها تتسبب بالحرمان، واليأس وفقدان الأمل، فإن الحقيقة تبقي أن التشدد ظهر كتهديد لأمتي، وللمنطقة والعالم بأسره. هؤلاء المتشددون هم وكر للإرهاب الدولي. ويجب ألا يكون الحال كذلك، وينبغي تغييره، ويمكن القيام بذلك. خلال الفترتين اللتين توليت فيهما منصب رئاسة الوزراء، فرضت حكومتي حكم القانون علي جميع المناطق في باكستان علي الأقاليم الأربعة والمناطق القبلية التي تتم إدارتها فيدرالياً أيضاً، بما في ذلك وزيرستان. وبدعم من سكان هذه المناطق القبلية، تمكنا من اجتثاث اتحاد مخدرات دولي عمل بحصانة في ظل الدكتاتورية. غير أن بارونات المخدرات الدوليين تحولوا اليوم إلي متشددين وإرهابيين. وتخلت حكومة باكستان الحالية عن مناطق كبيرة في دولتنا للقوات المؤيدة لطالبان والقاعدة وزعمت أن هذه المناطق لا يمكن إخضاعها للحكم. وأعتقد أنها يمكن إخضاعها للحكم وأن حكومة ديمقراطية يمكن أن تكون أفضل في إعادة فرض سلطة الدولة. علينا أن نكون واقعيين فيما يتعلق بتاريخ باكستان وواقعها السياسي. وفي عالم مثالي، قد لا تلعب المؤسسة العسكرية دوراً في الحياة السياسية. وتعد باكستان أقل مثالية في هذا الشأن. فقوات الأمن عملت في الأساس كمؤسسة سياسية في باكستان، وحكمت إما بصورة مباشرة من خلال جنرالات أو بصورة غير مباشرة عن طريق التلاعب بالحكومات الديمقراطية والإطاحة بها في النهاية. أعلم أن بعض الأشخاص أصيبوا بالدهشة عندما كنت أتفاوض حول الانتقال إلي الديمقراطية وأتحدث عن مستقبل باكستان مع مشرف. إننا نواجه قطبين كبيرين في باكستان اليوم هما المعركة التي تدور بين الديمقراطية والدكتاتورية، والصراع من أجل كسب عقول وقلوب الشعب والتي تتجلي في المعركة بين الاعتدال والتشدد. أما فيما يتعلق بالدكتاتورية، فليس هناك من مجال للحلول الوسط. يجب أن تكون الكلمة العليا للبرلمان. وقد ألمحت إلي مشرف بأن حزب الشعب الباكستاني يدعم دستور باكستان، الذي يحول دون وجود رئيس عسكري، ويتطلب اختيار رئيس مدني بصورة شرعية من قبل البرلمان والمجالس التشريعية المحلية في البلاد. لم يكن حظر الجيش علي تولي رؤساء وزراء للمنصب ثلاث مرات جزءاً من دستور باكستان أو دستور ديمقراطيات برلمانية أخري و يجب أن يتم إلغاؤه. يجب أن يكون هناك حصانة يتم منحها إلي جميع أعضاء البرلمان والمسؤولين الحكوميين الذين انتخبوا قبل الانقلاب العسكري عام 1999 والذين لم تتم إدانتهم بأية جريمة لأسباب سياسية. يجب السماح لجميع الأحزاب وجميع قادة الأحزاب بخوض الانتخابات بحرية. ويجب تفويض حكومة تسيير أعمال محايدة للإشراف علي الأمة قبل الانتخابات، وتشكيل لجنة انتخابات محايدة ومستقلة، بمشاركة جميع الأحزاب السياسية. ويجب أن تخلوا قوائم الانتخابات من التلاعب السياسي. ويجب أن يتمتع الاقتراع بالشفافية، وأن لا يكون هناك تدخل سياسي في عملية إحصاء الأصوات، وينبغي مراقبة العملية برمتها من قبل مراقبين دوليين لضمان النزاهة والشرعية. ولكن الانتخابات الحرة والنزيهة وحدها ليست كافية لحل المشكلات في باكستان. يجب أن يكون لدينا حكم حر وعادل وفعال. ويتطلب ذلك حشد كافة القوي المسئولة والمعتدلة وحملها علي العمل من أجل الخطة نفسها. إن المدارس السياسية الدينية قادرة علي تقديم رواتب شهرية، وأغذية وملابس للعائلات التي تعاني الفقر. وما لم تتمكن الحكومة من التحرك لملء الفراغ، فإن المتشددين سيواصلون استغلال هذا الوضع، ويوسعون نطاق نفوذهم في أنحاء البلاد. يجب أن يكون هناك ائتلاف للاعتدال لمواجهة المتشددين. وهذا التحالف يمكن أن يأتي من التعبير عن الإرادة الحرة للشعب. تلك هي الحكومة ونوع الحركة الوطنية التي أعتقد أنه يمكننا قيادتها. إن باكستان علي مفترق طرق. ونجاحنا يمكن أن يكون إشارة إلي مليار مسلم في كل أرجاء العالم بأن الإسلام، الذي يؤكد علي أهمية مبدأ الشوري، يتوافق مع الديمقراطية، والاعتدال. سأعود إلي باكستان هذا الخريف وأنا أعلم أنه تنتظرني أياماً عصيبة. ولكني أضع ثقتي في الشعب ومصيري بين يدي الله. أنا لست خائفة. نعم، إننا نمر بنقطة تحول، ولكنني أعلم أن الوقت والعدل وقوي التاريخ تقف إلي جانبنا.