يبدو أن الطريقة التي تزوجت بها هي السبب الرئيسي في أنني أصبحت أبا مكسور الجناح منجبا للذكور دون الإناث، فبعد عصور من زواجي أجدني عجوزا أعيش في شقة ملأها الأولاد بمخلفات الذكور، وأجدني مستجمعا شجاعات الإقدام علي زواج جديد. الطريقة التي تزوجت بها تكونت من خلطة بسيطة من الأحداث والبشر، ففي زمني القديم نشأت فكريا علي التفرقة بين الأولاد والبنات، آمن أهل قريتنا بأشعار تردد أن أبناءنا هم أبناء أولادنا وأبناء بناتنا هم أبناء الرجال الأباعد، هكذا شرعت قريتنا طريقتنا في توزيع الميراث والمساواة بين الأبناء، جارنا الحاج سيد ورّث ابنه الوحيد ثلاثة أرباع أرضه تاركا ربعها الباقي لبناته الخمس، بينما عمّي الشيخ أحمد نادي بمساواة النساء بالرجال، فحين أنجب ابنته الأولي أسماها بكرية، وحين أنجب الثانية أسماها نعمة، ولما أسرفت زوجته في ولادة أربع بنات أخريات، أسماهن بأسماء الذكور عطا وجمال وعصمت وبهجت. في زمني القديم تربي جسدي علي ما تجود به أرض قريتنا من ملوخية وبامية وسمك البساريا نجمعه من حقول الأرز، وامتلأت شرايين فتوتي بخليط فول البصارة مع زيت القطن وفحول البصل الجافة، ونزت أوردتي بمياه الطرشي وعصير الجبن القديمة، وأصبحت جاهزا للأيمان بأن الزواج الفاضل سترة للفقراء. في زمني المتوسط تعرفت علي فتاة من أهل المدينة، تؤمن بأن ظل حائط الرجل أفضل من ظل حائط العنوسة، صاحبتها أسابيع أهدهد أمامها أحلامي في اللحم المشوي والبط المحمر، فتتورد خدودها رغبة وتشوقا للحمام المحشي وملوخية الأرانب، نسير معا متكاتفين في كل قيظ نعانق الشمس، ونتجنب تحرش جموع الناس في كل ظل، وحين تأكدنا أن الشوارع والبيوت مليئة بالفول المدمس والبصارة وعصير القصب والخروب والبصل الناشف، هاجمتنا جرأة التعامل مع الواقع وأصبحت الصديقة حبيبة، وحين خلطنا أمنياتنا وطموحاتنا بمباركة بعض الأهل والأصدقاء والحاقدين وقع المقدور وأصبحت الحبيبة زوجة، هي شهور قليلة من زواجنا تطورت فيها علاقاتنا من نسائم رقة وطاعة إلي معارك نكد وتوريط وإثبات ذات، وحين أنجبنا ولدنا الأول اكتشفت أن زوجتي كانت تلعب كرة القدم تحمل أخاها الأصغر علي رقبتها وتجري وراء الكرة، وحين أنجبنا ولدنا الثاني اكتشفت أن زوجتي كانت تضارب أخاها الأكبر وتعض ذراعه، وأنها ذبحت دجاجتين بسكين فاسدة، وحين أنجبنا الولد الثالث اكتشفت أن زوجتي عضت ثلاث بنات وذبحت قطة وكسرت رجل أختها. في زمني المعاصر لا يخفي حسادي بهجتهم من همومي، يروني أبا للأولاد منجبا لثلاثة من الذكور، الأكبر خريج جامعي يحب كرة القدم، ممتلئ عضلات وفتوة لا يحب البط المحمر، ويتعجب من ضعف قدرتي علي حمل جراكن مياه شربنا الثقيلة، والثاني طالب في الجامعة، يعلق صورة لفتاة علي رقبته، لا يحب لحم الأرانب ويري أفكاري متخلفة لا تحيط بالديسك جوكي ولا تعرف حلاقة الكابوريا، ويؤكد أن نظري ضعيف لا أجيد التصويب ببندقيته الرش، والثالث طالب في التعليم الثانوي، مغرم بمطاردة القطط، لا يحب الحمام المشوي ويرفض أن أغطيه إذا ما تعري أثناء النوم ويشعر بالضيق كلما حاولت احتضانه، ومعهم تراني صديقتي حبيبتي زوجتي أم الأولاد أنني رجل بخيل قاس وقليل البركة أيضا. هكذا رغم احتياج جسدي للتطبيب وبلوغي العمر المناسب كي يضحي الآخرون برأسي، مازلت ابحث عن طريقة عصرية مناسبة أتزوج بها من حسناوات في العشرين، أنجب منهن، غير أجلاف الذكور، بنات رقيقات ينثرن في حياتي نسمات أنثوية، وإني مخلصا اسأل القادر الكريم أن يرزقني صحة شاب في العشرين لأكون جديرا بحمل لقب أبو البنات.