هكذا وصل الأمر إلي ما هو عليه اليوم. كل تلك الجثث، وصور أولئك الاطفال القتلي -اكثر من 1400 جثة (إذا لم تشمل 230 أو نحو ذلك من مقاتلي حزب الله والجنود الاسرائيليين الذين قضوا)، كل هذه الأجساد ستخلد بالاستقالة المحتملة لرئيس وزراء اسرائيل، والذي عرف ، كما يعتقد الكثير من الإسرائيليين، مجرد القليل عن الحرب.. أجل، لقد حرض حزب الله علي حماقة الصيف الماضي بخطفه جنديين اسرائيليين علي الحدود اللبنانية الاسرائيلية، لكن الرد الاسرائيلي، والذي لم يكن متناسباً أبداً مع حجم الخطيئة، أنتج مأزقاً آخر للجيش الاسرائيلي، وربما الآن لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت. لدي إعادة النظر وراء الي هذه الحرب الرهيبة العقيمة، وإلي طموحها الغرائبي إلي "تدمير" مليشيات حزب الله المدعومة إيرانياً، فإن من غير المعقول ان السيد اولمرت لم يدرك خلال ايام ان مساعيه المتلبسة ثوب العظمة ستئول إلي الفشل. كما أن إصراره علي وجوب الإفراج عن الجنديين الاسرائيليين وعلي أن يتم اعتبار الحكومة اللبنانية المفتقرة إلي القوة المسئولة عن أسرهما، لم يكن ليفضي أبداً الي التمخض عن أي نتائج سياسية أو عسكرية إيجابية وفي صالح إسرائيل. وعلي المرء ان يضيف ان طلب تسيبي ليفني باستقالة رئيس الوزراء يأتي علي طرف النقيض من دعمها لحربه المنافية للعقل والمنطق. لعل دراسة فاحصة للتقرير المؤقت الذي اصدره القاضي الياهو فينوجراد عن حرب الصيف، والتي لقبها السيد اولمرت وحده فقط بلقب "الحرب اللبنانية الثانية" بعد شهر من اندلاعها، تظهر أن الجيش الاسرائيلي هو الذي كان قد أدار الحملة العسكرية والاستراتيجية والسياسية. ومرة بعد الاخري في تقرير فينوجراد، يبدو واضحاً ان السيد أولمرت ووزير دفاعه فشلا في أن يتحديا "بطريقة تتسم بالكفاءة" (حسب تعبير اللجنة الكارثي) خطط الجيش الاسرائيلي. يوما بعد الآخر، وطوال أربعة وثلاثين يوماً تلت الثاني عشر من يونيو، قام سلاح الجو الاسرائيلي وبطريقة ممنهجة بتدمير البنية التحتية الرئيسية للبنان، زاعماً علي نحو متكرر بأنه كان يحاول تجنب ايقاع خسائر في صفوف المدنيين، في وقت كانت فيه الصحافة العالمية تراقب طائراته وهي تغير علي الرجال والنساء والأطفال وتمزقهم إلي قطع وأشلاء في لبنان. كما ان هناك إسرائيليين قتلوا بدورهم بقسوة في هذه الحرب بسبب سقوط صواريخ حزب الله التي حصل عليها من ايران. لكن ذلك كله أثبت وحسب أن الجيش الاسرائيلي، المشهور في الأساطير والأغاني فقط ولكن ليس في الواقع، لم يستطع حماية شعبه. وكانت قيادة حزب الله قد أبلغت مقاتليها بأنهم إذا ما استطاعوا الصمود في وجه الهجمات الجوية، فإنه سيكون باستطاعتهم أن يقضموا القوات البرية الإسرائيلية عندما تشرع بالغزو. وقد قضموها فعلاً، وفي الساعات الأربع والعشرين الاخيرة من الحرب، تم قتل ثلاثين جندياً اسرائيلياً علي أيدي مقاتلي حزب الله، وتم وضع نهاية للهجوم البري الاسرائيلي الذي طالما طبل له أولمرت وزمر. وخلال النزاع، كاد أحد صواريخ حزب الله يغرق بارجة اسرائيلية، والتي ظلت تشتعل لمدة اربع وعشرين ساعة ثم قطرت الي حيفا قبل ان تغرق. كما ضرب صاروخ آخر مركز مراقبة حركة الطيران العسكري السري في ميرون. أما الجنديان اللذان أسرا علي الحدود، فلم تتم إعادتهما أبداً، وما تزال الصور التي تثبت أنهما ما يزالان حيين تعرض علي الجنود الاسرائيليين المقيمين علي الحدود حتي اليوم. كما أن حزب الله، والبعيد كل البعد عن أن يكون قد دمر، يبقي قوياً كما كان شأنه أبداً. وهكذا، تبدو واحدة من آخر حكومات واشنطن "المؤيدة للأمركة" وهي تواجه الآن تهديداً من تلك المليشيات نفسها التي تشدق أولمرت يوماً بأنه سيدمرها.