عندما أصدرت كتاب "الحكومة الخفية" عن الاستخبارات الأمريكية بالمشاركة مع "توماس روس" عام 1964، فكرت وكالة الاستخبارات المركزية في شراء جميع النسخ لمنع توزيعه علي المكتبات. ويبدو أن الكتاب أزعج الوكالة، لأنه كان أول دراسة من نوعها تتناول الأنشطة المختلفة للاستخبارات الأمريكية، التي لم يكن الرأي العام يعلم عنها شيئاً في ذلك الوقت. لكن "بينيت سيرف" مدير "راندم هاوس"، دار النشر التي أصدرت الكتاب رد بأنه لا مانع لديه من بيع الطبعة الأولي من الكتاب إلي وكالة الاستخبارات المركزية، إلا أنه سيبيع الطبعات التالية إلي الجمهور، فاضطرت الوكالة إلي التخلي عن خطتها السخيفة. ولأن "روس" وأنا لم نعمل مع وكالة الاستخبارات المركزية، فإننا لسنا مطالبين بإرسال الكتاب إلي الرقابة. غير أن صدور الكتاب الأخير لمدير الوكالة السابق "جورج تينيت" بعنوان "في قلب العاصفة" يشير بوضوح إلي التغير الكبير الذي طرأ علي عملية ممارسة الرقابة منذ إصدار كتابنا في ستينيات القرن المنصرم. ومؤخراً سُمح لمدير شعبة "بن لادن" في الوكالة "مايكل شوير" بإصدار كتاب عام 2004 بعنوان "الغطرسة الإمبريالية" بعد أن طلب منه استخدام "مؤلف مجهول" بدل اسمه. ومع أن الكتاب كال انتقادات لاذعة لإدارة الرئيس بوش بسبب سياساتها في مجال مكافحة الإرهاب، إلا أنه، كما أعلن المؤلف، لم يتعرض لمقص الرقابة. لكن ما أن بدأ "شوير" في الظهور علي شاشات التليفزيون حتي تدخلت الوكالة وطلبت من الناشر عدم السماح له بالمشاركة في اللقاءات الصحفية ما لم يحصل علي إذن مكتوب من وكالة الاستخبارات المركزية. أما "ميلتون بيردن"، العميل السابق في وكالة الاستخبارات ومدير شعبة الاتحاد السوفيتي فقد كان محظوظاً بأن مررت الوكالة كتابه "العدو الرئيسي" دون إخضاعه لرقابة صارمة. وقد كشف الكتاب العمليات السرية التي كانت تشرف عليها الوكالة أثناء صراعها المرير مع جهاز الاستخبارات الروسي "كي.جي.بي". ولدي سؤاله عن السبب وراء تكاثر المؤلفات التي تتناول موضوع وكالة الاستخبارات المركزية رد "بيردن" قائلاً: "إنه من الصعب منع مدراء سابقين لديهم معلومات بحكم عملهم من نشر كتب وإتاحتها للجمهور. وإذا كانت الثقافة التي كانت سائدة في السابق داخل الوكالة تحظر علي موظفيها إصدار الكتب، إلا أنها أصبحت اليوم أقل صرامة". ويذكر أن أول من دشن سلسلة تأليف كتب حول وكالة الاستخبارات كان "آلان دالاس" من خلال كتابه "حرفة الاستخبارات" المنشور عام 1963 بعدما ترك الوكالة، لكنه لم يكن من الكتب التي أثارت جدلاً، بل اقتصر علي تسليط الضوء علي بعض جوانب العمل الاستخباراتي. وليس خافياً أيضا المبالغ المالية المهمة التي يتقاضاها مؤلفو الكتب، حيث نُقل عن "تينيت" أنه تلقي أربعة ملايين دولار من دار النشر "هاربركولينز" عن كتابه الأخير. وقيل أيضاً إنه وقع علي عقد بقيمة أكبر مع "كراون بوكس" في 2004، لكنه انسحب من الصفقة عندما قلده الرئيس بوش ميدالية الحرية. ومازال مدراء وكالة الاستخبارات يواجهون مشاكل كبيرة، إذا ما قرروا تحدي الرقابة التي تفرضها الوكالة ونشر كتبهم دون التقيد بالأجزاء المحذوفة. فعندما أصدر "ويليام كولبي" مذكراته أثناء عمله في الوكالة أشارت النسخة الفرنسية من الكتاب إلي قيام الولاياتالمتحدة برفع أجزاء من غواصة روسية غرقت في البحر، ما اضطره إلي دفع مبلغ 10 آلاف دولار إلي الوكالة كتعويض.