نشرت جريدة الحياة اللندنية مقالا للزميل سيد محمود في عددها الصادر يوم السبت 23 ديسمبر 2006 تعرض فيه بالتحليل لظاهرة نجاح العاشرة مساء، التي لا شك فيها، اعتمادا علي موهبة مقدمته التي قال عنها المقال إنها تقود الجماهير إلي صفوف المعارضة، وأن لها "طلة" هادئة علي الشاشة تخلو من بهرجة الاستعراض والمكياج الصاخب. إضافة إلي اعتماد البرنامج علي تناول القضايا الشائكة التي تقبل عليها البرامج الحكومية أو ظل الحكومية مثل برنامج "90 دقيقة" علي قناة المحور علي حد تعبير الكاتب. وعلي الرغم من الاتفاق المبدئي مع ما طرحه الزميل في المقال سواء بشأن مقدمة البرنامج أو الموضوعات التي يتعرض لها، فإنه لا يمكن أن يمر عنوان المقال مرور الكرام. فقد اختار الكاتب وربما الجريدة عنوانا للمقال هو "العاشرة مساء: مرآة لفهم الشارع المصري، وداخل المقال ما يؤكد ذلك بصياغات أخري أكثر قوة، إذ قال إن البرنامج تحول إلي دفتر أحوال للشارع المصري ومرآة يمكن أن تطالع فيها تناقضات المجتمع بما فيه من زخم وتحولات. كما لا يمكن أن يمر أيضا قول الكاتب إنه "طالما أن الإثارة الواعية هي رهان البرنامج بدا من المقبول أحيانا اللجوء إلي نزعة تعبوية". وفي الواقع فإن مصدر الاعتراض علي أو علي الأقل التوقف عند ما قاله المقال ينبع من التعميم المبالغ فيه إلي حد بعيد وتعمد إصدار أحكام لا تستند إلي أسس قوية. فعندما يقر الكاتب أن البرنامج يتناول القضايا التي يحجم عنها الآخرون، وعندما يكون رهانه علي الإثارة الواعية، فإنه أولا يهمش أو يهمل ما يهتم به الآخرون وتحديدا الأجهزة الحكومية، وعندما يقال إن برنامجا بقضايا شائكة ومثيرة هو مرآة للشارع المصري، فإن ذلك يعني في الحقيقة محاولة من الكاتب للقول بأن الشارع المصري هو القضايا الشائكة فقط والتي تقع إجمالا في القضايا التي تطول النظام أو يبدو أن ثمة تقصيرا فيها من جانبه، بينما لا يوجد ما يمكن أن يشار إليه لصالح النظام، وبالتالي أيضا لا يوجد ما يمكن أن يشار إليه ضد المعارضة، ومن ثم صار البرنامج ليس معبرا عن الشارع المصري بقدر ما هو جزء من الشارع المصري. ولعله يكون من المبالغة أن البرنامج خضع لتوجهات مقدمته التي استعاضت عن بهرجة الاستعراض والمكياج الصاخب بنزعة تعبوية في اتجاه المعارضة، أو علي نحو ما قال الزميل سيد محمود إنه لا تكف كلما سنحت لها الفرصة عن التحرش الساخر بالنظام الحكومي الرسمي. وليس أدل علي ذلك من ملاحظة الزميلة مني الشاذلي في حواراتها مع المختلفين عنها وبالتالي عن الشارع، فهي لا تتحمل، ولا تخفي عدم تحملها ذلك، أن تسمع كلاما خلاف ما يقول به الشارع، وما زلت أذكر لها حوارها مع محامي صاحب العبارة الغارقة وكيف أنها لم تتحمل أن تستمع إلي دفاعه بينما تعاطفت تماما مع كلام المدعي العام الاشتراكي. أما مسألة نجاح البرنامج الذي لا يوجد عليه خلاف، فلا يمكن ولا يجب أن يتم ربطه بتعبيره عن الشارع ونبضه وما من ذلك بمصطلحات عفا عليها الزمن، فما يقدم في البرنامج هو انتقاء فج لمشكلات ملتهبة يزيدها البرنامج التهابا ويستخدمها في إلهاب مشاعر الجماهير التي باتت تنظر إلي البرنامج علي أنه متنفس جيد لما تعانيه من ضغوطات. وربما لا يختلف أحد علي أن أهم الحوارات أو الحلقات في البرنامج تلك التي مست قضايا ملتهبة مثل العبارة وتزوير الانتخابات ومأساة القطارات، فعادة ما تكون تلك القضايا صيدا ثمينا للبرامج التي تصبو إلي النيل من النظام. ولعل مسألة نجاح البرنامج، رغم الفارق، تذكرنا بنجاح أغنيات الضجيج والأفلام التي لا تمت للسينما بأي علاقة، فهل يجرؤ أحد علي القول إن تلك الأغنيات والأفلام مرآة للشارع المصري. إن "العاشرة مساء" مثال صارخ علي مقومات النجاح في الوقت الراهن وكيف يمكن تحقيقه، فمقومات الصفقة بسيطة، فما عليك إلا أن تكون شخصا (مذيعا أو صحفيا) يريد النجاح، ومستعداً في ذلك لمهاجمة النظام بشكل محترف، وهو ما حققه العاشرة مساء من خلال فريق الإعداد الذي قرر أن يفتح البرنامج لضيوف من العيار الثقيل من أقطاب المعارضة محترفي مهاجمة النظام. وليس من الصدفة أن تكون تلك البرامج التي لديها حرية في مهاجمة وانتقاد النظام وسب وإدانة السياسة الأمريكية والوحشية الإسرائيلية هي أكثر البرامج نجاحا وشعبية، فالرأي العام يصبو إلي سماع صدي صوته. وإذا كان الرأي العام يعاني من مشكلات عديدة يتحمل وزرها النظام، وإذا كان يكن كل البغض للسياسة الأمريكية والهمجية الإسرائيلية فإنه يطرب لمن يعبر نيابة عنه أو يفتح له نافذة للتعبير عن ذلك علي الهواء مباشرة. وإذا كان الزميل سيد محمود قد أشار إلي ما قيل عن "العاشرة مساء" في البداية علي أنه استنساخا لبرنامج "القاهرة اليوم"، فقد فاقه في النجاح إثر تجاوزه علي تعبير الزميل سيد في "اتجاه التفاعل مع المد الجماهيري"، الذي أتاحه بالطبع كون قناة دريم غير مشفرة ويستطيع الجميع متابعتها علي الأقمار الصناعية. ثم أليس سبب نجاح البرنامجين بشكل أو بآخر يتصل بسبب نجاح برنامج "الاتجاه المعاكس" الذي تبثه قناة الجزيرة أسبوعيا، وأن الفارق بينهم أن "الاتجاه المعاكس" أسبوعي بينما "القاهرة اليوم" و"العاشرة مساء" يومي، وألا يذكرنا ذلك أيضا بنجاح برامج الأستاذ حمدي قنديل؟. أليس كل هؤلاء في مدرسة واحدة تجيد مغازلة أحلام الجماهير والتحرش المستفز لغضبهم الدفين من خلال نزعة تعبوية هدفها الإثارة الواعية؟. باختصار فإن القول بأن برنامج إثارة وإن كانت واعية مثل "العاشرة مساء" هو مرآة للشارع المصري هو قول يفتقد لكثير من الحس الوطني والعلمي. والمؤكد أنه برنامج ناجح في التعبير عن نبض قطاع معين من الشارع المصري، قل أو كثر إلا أنه ليس الشارع المصري برمته. وإذا كان من يقرأ الصحف القومية ويشاهد القنوات الحكومية يشعر أن مصر جنة الله في الأرض وأن ليس بها مشاكل، ففي المقابل فإن من يقرأ صحف المعارضة وبرامج المعارضة يشعر أن مصر خرابة. وبالتأكيد فإن مصر ليس هذا ولا ذلك، ولكنها شئ آخر أبعد عن الخرابة وأقرب إلي جنة الله في الأرض، إذا كان في الأرض جنة.