لقد كان يوم السبت قبل الماضي يوماً غريباً، لكونه قد بدأ بشنق صدام حسين. وكلما قرأت عن سرعة وشطط المناورة القانونية التي قام بها القادة الشيعة، للهرولة بصدام إلي حبل المشنقة، صبيحة يوم عيد المسلمين. كلما شاهدت صور الفيديو التي التقطت له بواسطة أحد الهواتف المتحركة، وهي الصور التي سمع فيها أحد الحرس وهو يغيظ صدام صائحاً بعبارة "مقتدي... مقتدي" في إشارة لذلك الزعيم الشيعي، الذي أزهقت فرق موته أرواح مئات المسلمين السُّنة، وكلما قرأت عن سباب صدام وإساءاته الأخيرة لخصومه، كلما بدا لي أن كل ما حدث، لهو أقرب إلي طقس الانتقام القبلي العشائري، منه إلي بلوغ العملية الدستورية العراقية لذروتها، وهو ما يجب علي الولاياتالمتحدة أن تفخر به، فيما لو كان حدث. يذكر أن هيئة الإذاعة البريطانية، قد نقلت لبسام الحسيني، أحد مستشاري رئيس الوزراء الشيعي العراقي، نوري المالكي، قوله في وصف إعدام صدام حسين: "إنه هدية عيد قدمناها لكافة أفراد الشعب العراقي"! وهذا بالطبع ما لا يوافقه فيه الكثير من المسلمين السُّنة. أما من ناحيته، فقد نفث صدام حسين آخر زفراته، في شتيمة "الخونة والأمريكيين والجواسيس والفرس" ويمكنك استبدال كلمة "الفرس" هذه بمقابلها "الشيعة". ولذلك فليس من عجب أن قال "جون سمبسون"، مراسل هيئة الإذاعة البريطانية في العاصمة العراقية بغداد: "لقد بدا مشهد هذا الإعدام كما رأيناه، عملاً قبيحاً ومهيناً في مجمله، ويحمل إلي الذاكرة صور ومشاهد الإعدامات العامة التي شهدها القرن الثامن عشر، أكثر من أن تكون له علاقة بممارسة العدالة المسئولة المعتبرة في قرننا الحالي، الحادي والعشرين". وإذا كان من قدر السجناء في عهد صدام حسين، أن يتعرضوا للسخرية والهزء وسوء المعاملة حتي لحظات موتهم الأخيرة، فإن أكثر ما يثير التبرم والضيق من صور الفيديو التي بثت عن إعدام صدام، عقاباً له علي هذا النوع من الجرائم بالذات، هي أنها تعيد إلي الأذهان ذكريات ذات السلوك الذي جرت محاكمته"! وكما قلت من قبل، فقد بدا يوم السبت قبل الماضي يوماً غريباً بحق. فبعد أن فرغت من مشاهدة صور إعدام صدام حسين في الصباح، إذا بي أجلس أمام الكمبيوتر في وقت متأخر من ظهر اليوم نفسه، لتصل إلي مسامعي فجأة، مقاطع من نشيد بلادي الوطني، وهي تبث عبر التليفزيون، من غرفة أخري مجاورة: "إنها منك يا بلادي... يا أرض الحرية العذبة". وحين دلفت إلي الغرفة الأخري لأقف علي ما يجري، رأيت تابوت الرئيس الأسبق "جيرالد فورد"، وقد جري إنزاله من متن طائرة تابعة لسلاحنا الجوي. وإنه ليلزمني الاعتراف بأن غصة قد سدت علي حلقي وأنا أشاهد ذلك المنظر، وأستمع إلي لحن النشيد الوطني. فقد كان إعدام صدام، صورة خاطفة مهزوزة لقائد بلد، مزقت أوصاله النزاعات وحمامات الدماء والعنف، بينما كانت صورة "جيرالد فورد"، صورة لرئيس دولة راسخة موحدة، يؤدي فيها الخصوم والمؤيدون السياسيون فروض العزاء علي روح الرئيس الراحل، بينما كانت تحيط به مجموعة من جنود الشرف، تمثل كافة ألوان الطيف الأمريكي. أما مكانة "فورد" وسيرته في التاريخ، فقد شفعت لها وحفظتها روح التسامح والتئام الجرح القومي.