هل يصمد اتفاق وقف اطلاق النار الجديد الذي تم التوصل اليه بين إسرائيل من ناحية والسلطة الفلسطينية و6 فصائل لها اجنحة مسلحة من ناحية اخري؟ وهل يكون الاتفاق الجديد احسن حالا من الاتفاقات السابقة وآخرها، الاتفاق الذي تم التوصل اليه في شرم الشيخ برعاية الرئيس مبارك وبحضور رئيس السلطة محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود اولمرت في 8 فبراير العام الماضي؟ وهل يعتبر وقف اطلاق النار الجديد فرصة لالتقاط الانفاس واراحة المتعبين من القتال، ام ايجاد اجواء تهدئة ملائمة للمساعدة علي تحريك الاتصالات السياسية في ظل ما يتردد عن ان هناك طبخة سياسية ما يجري طبخها حاليا وتحتاج الي نيران هادئة، وهي نيران تختلف عن تلك التي تحدثها المدافع والصواريخ والاجتياحات التي تقوم بها قوات المقاومة وقوات الاحتلال علي حد سواء؟ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل الذي اختار مقر نقابة الصحفيين المصرية لاطلاق تهديدات الحركة بتفجير الانتفاضة الثالثة بعد ستة اشهر اذا لم يتم التوصل الي حل سياسي لاقامة الدولة الفلسطينية علي الاراضي المحتلة عام 1967، يعطي تفسيرا لابعاد اتفاق وقف اطلاق النار الجديد، ويؤكد الي حد ما ان هناك بالفعل طبخة سرية يجري اعدادها حاليا. وقد تكون الزيارة العاجلة للرئيس الامريكي جورج بوش الي العاصمة الاردنية عمان واجتماعاته هناك مع الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة ايهود اولمرت، اشارة اخري علي طبيعة المباحثات التي تتم خاصة ان هناك اجماعا اقليميا ودوليا علي ضرورة تحريك المسار الإسرائيلي - الفلسطيني وتحقيق انجاز مهم علي هذا المسار في الاسابيع المقبلة لعدة اسباب. علي الساحة الفلسطينية جربت حركة حماس ان تحكم وحدها وان تتولي المسئولية كاملة عن احوال الشعب الفلسطيني، وتبين من واقع التجربة ان احاديث المعارضة عن محاربة الفساد والاهمال والوعود بالاصلاح، لا تكفي في ظل حالة الحصار التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، علاوة علي حالة العقاب الجماعي التي شملت اجتياحات عسكرية وعمليات اغتيال واعتقال، جاء بعضها ردا علي عمليات اطلاق صواريخ علي المستعمرات الإسرائيلية ومعظمها الآخر لتصفية الكوادر الفلسطينية المسلحة، واي امكانات تحاول المقاومة بناؤها لتصفية قدراتها أولا بأول وجعل خيار المقاومة المسلحة مستحيلا او بتكلفة رهيبة لا يقدر الشعب الفلسطيني المحاصر اصلا علي تحملها. وطوال قرابة عام تولت خلاله حماس الحكم والسلطة فان الاحوال المعيشية للشعب الفلسطيني تراجعت بشدة، وعجزت عن توفير رواتب 165 الف موظف علاوة علي سد ابواب العمل وراء الخط الاخضر في إسرائيل ، واجراءات الحصار المحكمة التي شملت ايضا تجميد الضرائب المحصلة علي الصادرات الفلسطينية للخارج والتي تم ايقافها بعد ذلك. ويضاف الي ذلك مشاركة دول كبري مختلفة كان معظمها من مقدمي المساعدات للشعب الفلسطيني وفي المقدمة الدول العربية قبل ان تقرر كسر الحصار وعدم المشاركة في اجراءاته والاتحاد الاوروبي عن تقديم الدعم المعتاد الذي تقلص إلي مساعدات انسانية طبية وغذائية في ظل انضمام معظم دول العالم الي فرض الحصار والمقاطعة علي الاراضي الفلسطينية علي اساس ان حركة حماس قد رفضت الاستجابة لشروط ومطالب اللجنة الرباعية الدولية والاتحاد الاوروبي، بالاعتراف بالاتفاقيات التي سبق ان وقعتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل ، كشرط رئيسي لاستمرار التعامل مع حكومة حماس. وبالتالي فان آفاق اي تحرك سياسي قد اغلقت تماما، وهو ما ادي ايضا الي اقتراب الساحة الفلسطينية من حرب اهلية جرت بعض مظاهرها في الشوارع عبر عمليات اغتيال وفوضي امكن احتواؤها قبل ان تتطور للاسوأ، علاوة علي تعدد الاجهزة الامنية المسلحة في الشارع، والانقسام السياسي الذي دخل مراحل خطيرة بين السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، برئاسة محمود عباس من ناحية، وحركتي حماس والجهاد الاسلامي ومنظمات راديكالية متشددة من ناحية اخري. الجهود المصرية وفي ظل تلك الاجواء وبعد سلسلة مجهدة من الاتصالات والجهود التي قام بها ولا يزال الوفد الامني المصري والوزير عمر سليمان، عادت الفصائل الفلسطينية الي الاتفاق من جديد علي صيغة للتوافق اقرب الي تلك التي تم التوصل اليها في 17 مارس 2005، ومن اهم عناصرها التوصل الي اتفاق لوقف اطلاق النار وقعت عليه الفصائل التي لديها ميليشيات واضحة عسكرية وهي فتح وحماس والجهاد الاسلامي والجبهتان الشعبية والديمقراطية، ولجان المقاومة الشعبية علي اساس ان ذلك في شأنه حماية الشعب الفلسطيني، من الاعتداءات الإسرائيلية، وتم تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية تحظي بالشرعية والقبول الدولي، وتفتح بالتالي الابواب امام استئناف المفاوضات، وانهاء الحصار الدولي المفروض علي الشعب الفلسطيني. المأزق الإسرائيلي وعلي الناحية الاخري في إسرائيل فان حكومة ايهود اولمرت ابدت تجاوبا سريعا مع اتفاق وقف اطلاق النار الذي دخل بالفعل حيز التنفيذ فجر الاحد الماضي، ورغم اطلاق "سرايا القدس" صواريخ علي بلدة سيدروت الإسرائيلية بعد سريان وقف اطلاق النار، فقد سارعت السلطة الفلسطينية بادانة تلك العملية ودعت إسرائيل الي عدم الرد والتزام الاتفاق. وحكومة اولمرت التي كسبت الانتخابات عبر برنامج يتضمن التوصل الي حل سياسي مع الفلسطينيين والاعتراف بحقهم في اقامة دولة فلسطينية، وجدت نفسها بعيدة عن التوصل الي مثل هذا الحل وفقا لاي شروط، ودخلت حربا فاشلة علي كل المستويات في لبنان، كما استمرت في احتلال قطاع غزة والاراضي الفلسطينية التي انسحبت منها ايام حكومة ايريل شارون ، وهو ما ادي عمليا الي استمرار الخسائر الإسرائيلية نتيجة حرب لبنان والحرب التي تشنها علي الفلسطينيين، وهي خسائر شملت كل المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية وحتي في مجال السياحة التي هربت من إسرائيل . وعلي الرغم من المساندة الامريكية والاوروبية لإسرائيل التي ربطت ما بين حربها علي لبنان وحزب الله وفلسطين وحركة حماس بالحرب الدولية علي الارهاب، فإنها لا تستطيع الاعتماد طويلا علي هذا الترابط، في ظل خسارة الحزب الجمهوري الانتخابات الاخيرة للكونجرس في الولاياتالمتحدة بسبب فشل سياسات الادارة الامريكية بقيادة جورج بوش في الشرق الاوسط خاصة في العراق. البحث عن حلول وهذا يدفع بنا الي مناقشة الاسباب التي تدعو الادارة الامريكية الي التحرك العاجل في المنطقة لاصلاح كم الاخطاء الكبيرة التي ارتكبتها سواء في العراق او اتجاه القضية الفلسطينية، وحيث حرصت الدول العربية بشكل خاص علي الربط بين الملفين ومن خلال عدة مناسبات آخرها اجتماعات مجموعة 6 + 2 التي ضمت وزراء خارجية دول مجلس تعاون الخليج ومصر والاردن مع وزيرة الخارجية الامريكية كوندا ليزا رايس في نيويورك علي هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في نهاية سبتمبر ثم في القاهرة في اكتوبر الماضي. وأكدت الدول العربية مرة اخري من خلال اجتماعات مجلس وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية، علي اهمية ان تغير الولاياتالمتحدة سياستها بسرعة وان تنفذ تعهدات الرئيس بوش بالعمل علي اقامة دولة فلسطينية، وعلي اساس حل عادل للقضية الفلسطينية من شأنه المساعدة في ايجاد اجواء ايجابية تحسن الاوضاع في العراق. البداية من عمان ومع تلك التطورات التي اتاحها التوصل لاتفاق وقف اطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة، واعادة تقييم مختلف الاطراف لمواقفها، فان الاجواء تبدو ملائمة جدا امام الاجتماعات التي تجري في عمان هذا الاسبوع للبدء في تحريك علمية السلام بسرعة علي المسار الفلسطيني الإسرائيلي، بعد ان اصبحت الاجواء ملائمة بمتابعة حل القضايا الثانوية مثل اطلاق سراح الجندي الإسرائيلي شاليت والافراج عن عدد كبير من الفلسطينيين، وتشكيل حكومة وحدة فلسطينية وغير ذلك من اجراءات من شأنها اعادة احياء عملية السلام، التي تنتظر هذه الفرصة ما لم تحدث عملية مفاجئة تعيدها مرة اخري الي موتها السريري بالضبط كما هي حالة رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق ايريل شارون، الذي ضرب عملية السلام واصطحبها معه لتجاوره في موت سريري طويل، واذا كانت عملية اعادة شارون الي الحياة قد فشلت فهل تنجح الاجتماعات التي ستجري في العقبة وعمان في اعادة الحياة مرة اخري لعملية السلام بعد التطورات الاخيرة التي تمت؟ لا نملك سوي الانتظار لنري اذا ما كانت هناك طبخة جيدة يقبل عليها الجميع، ام مجرد فرصة لالتقاط الانفس قبل عودة المواجهة المسلحة من جديد.