محافظ الجيزة د. فتحي سعد رجل دمث الخلق وعالم جليل له باع طويل في علم الطيور والدواجن، وقد رأيناه علي الشاشات الأرضية والفضائية متحدثًا لبقًا ومحاورًا بارعًا فيما يتعلق بأنفلونزا الطيور وعواقبها الوخيمة التي تهدد صحة الملايين من أبناء مصر، ومن منطلق موقعه كمحافظ مسئول عن الجيزة أصدر د. فتحي سعد أسوة بكل محافظي مصر وتمشيًا مع سياسة الدولة للحد من وباء انفلونزا الطيور قرارًا شجاعًا باغلاق جميع منافذ بيع الطيور في بر الجيزة، إلا أن شيئًا من هذا القرار لم ينفذ علي الاطلاق فكل منافذ بيع الطيور في الجيزة "حضرًا" و"ريفًا" لاتزال مفتوحة عيني عينك ولا تزال تبيع الطيور الحية في وضح النهار دون خوف من حساب أو عقاب! ولا أعرف حقيقة أسباب الفجوة الخطيرة فيما يصدره محافظ الجيزة من قرارات وفيما يتعلق بتطبيقها وترجمتها علي أرض الواقع من قبل المحليات والأجهزة المعنية التابعة له، ويبدو - وهذه وجهة نظري - أن محافظ الجيزة د. فتحي سعد - أصبح أكثر إيمانًا من ذي قبل بإيثار مبدأ السلامة وعدم الصدام مع الأجهزة المعنية بالخدمات الجماهيرية التابعة لمحافظته فترك الأمور علي عواهنها مما أدي إلي تفاقم أوضاع الجيزة أرضًا وماء وسماء وشعبًا علي جميع المستويات وفي شتي المجالات، وليس أدل علي ما نقول من أحوال النظافة التي تدنت ووصلت بالفعل لدرجة الخطر الذي يحيط بالانسان والمكان في جميع أنحاء الجيزة، فالقمامة باتت الآن هي العنوان اللافت للمقيمين والزائرين للجيزة أينما حلوا فيها، وتساوت في ذلك الأحياء الراقية مع الأحياء الشعبية، وبات من غير المستغرب أن يجد الزائر للجيزة أكوام القمامة في الميادين والجزر الوسطي في الشوارع العمومية الرئيسية وفوق الأرصفة وفي الشوارع والحارات والأزقة الفرعية حيث لا توجد صناديق للقمامة ولا يوجد عمال نظافة بل إن القمامة في تحديها للمحافظ ولجميع مسئولي النظافة بالجيزة أغلقت شوارع بأسرها وتحتاج إلي "لودرات" لحملها ونقلها ومن ثم أصبح من المتعذر تمامًا أن يعبرها مواطنون وبالتالي الدواب والمركبات! واستطاعت القمامة المتراكمة مع جيوش الذباب والناموس أن تحجز أطفالاً ابرياء في بيوتهم فلا هم غادروها للذهاب إلي مدارسهم ولا باصات المدارس، واستطاعت الدخول إليهم كل ذلك يحدث أمام سمع وبصر المسئولين بالجيزة دون أي تحرك يذكر حفاظًا علي صحة ملايين المواطنين من أبناء الجيزة. ولأن محافظ الجيزة د. فتحي سعد ضرب بالفعل بعرض الحائط كل شكاوي وأوجاع الناس في الجيزة وبات مضربًا في الأمثال للمحافظين الذين يتواجدون علي مكاتبهم المكيفة غير الراغبين والساعين للنزول للشوارع للاستماع والتحرك فليس من المستغرب أبدًا أن تنضم قضية النظافة إلي قضية منافذ بيع الطيور الحية بلا حلول جذرية حاسمة، وليس بالتالي مستغربًا أن تنضم قضايا أخري بلا حلول لما سبق وكأن الجيزة منطقة نائية في أقصي أقاصي صحراء مصر مع أن الدولة تكرس من الوقت والفكر والجهد والأموال لتنمية الصحراء بينما الجيزة حاضنة الأهرامات، ويأتيها السائحون من شتي أنحاء العالم تئن تحت وطأة الألم من الفوضي والاهمال والتسيب والمحسوبية والرشاوي، وإلا فليفسر لي أحد من المسئولين في الجيزة كيف تهاجم مياه الصرف الصحي آلاف البيوت في منطقة الطوابق الشعبية وتدمر أثاثها وتحاصر سكانها من نساء وأطفال ابرياء مما يهدد بانتشار الأمراض في ظل غزو طبيعي لجحافل الناموس في هذه الظروف دون أن تحل هذه القضية المزمنة حتي اليوم!! ولا أكون مبالغًا إذا ذكرت أن مياه الصرف الصحي لم تكتف بما فعلته وما تزال تفعله بالأهالي الغلابة الأبرياء، وإنما تحالفت مع أسلاك الكهرباء العارية وما أكثرها لتصعق مواطنين أبرياء تحدوا الظروف السيئة وخرجوا في الصباح الباكر ساعين وراء قوت يومهم فإذا بهم يسقطون ضحايا الاهمال والفوضي لتترمل نساء ويتيتم أطفال وتنضم عائلات جديدة لقافلة المشردين والمعوزين!! الحديث عن أزمات الجيزة المستفحلة لا ينضب ولا أعرف سببًا لذلك؟ هل هو غياب الدور الرقابي للدولة علي عمل المحافظين والأجهزة المحلية؟ هل هو غياب الضمير بل موته - وهو أي الضمير - أقوي من أي عين رقابية؟ أم في غياب المتابعة الميدانية اليومية للمحافظ لما يصدره من قرارات ليتأكد شخصيًا انها تنفذ علي الوجه الأكمل؟ أيًا كانت الأسباب الظاهرة والخفية وراء تدهور أحوال الجيزة دعوني أتحدث عن اخطر القضايا التي تمثل بالفعل في وجهة نظر أي عاقل مخلص للوطن تهديدًا للأمن القومي ألا وهي قضية تجريف الأرض الزراعية.. يذكر التاريخ أن الجيزة كانت جنة خضراء وواحة فيحاء تعج بمئات الآلاف من الأفدنة الخضراء، ومزارع الفاكهة اليوم باتت الجيزة غابة حمراء من جراء انتشار وبائي للطوب الأحمر علي كل متر من الأرض الزراعية، وبالرغم من تهديدات محافظ الجيزة د. فتحي سعد بأنه سيضرب بيد من حديد علي كل من تسول له نفسه الاعتداء علي الأرض الزراعية إلا إن الواقع المر يقول أن التجريف مستمر ليلاً نهارًا وعلي عينك يا تاجر بلا خوف من تهديد أو وعيد، ولو فكر محافظ الجيزة ولو مرة واحدة أن يقود عربته بنفسه فوق الدائري من المريوطية متجهًا للمهندسين أو من المريوطية في اتجاه المعادي وتأمل بعينيه يمينًا ويسارًا فسيري بنفسه العجب العجاب سيري الخرسانة المسلحة تعلو والطوب الأحمر يرتفع في وضح النهار فأين اليد الحديدية للمحافظ وهو الأمين علي الأرض والبشر في محافظته؟! ثم لماذا أكتب عن التجريف للأرض الزراعية فقط بينما التجريف حادث حتي في العمار إذ لا يوجد شارع واحد في الجيزة إلا واصابته معاول الهدم والحفر فأصبحت الشوارع لا هي مرصوفة ولا هي غير مرصوفة بل باتت مزلزلة كأن زلزالاً ضربها، وتعج إضافة لما اصابها بكل الموبقات من مخالفات صريحة من أصحاب الدكاكين والباعة الجائلين والثابتين وعربات النقل المرخصة وغير المرخصة! لا أجد ما اختم به مقالي هذا سوي التأكيد بأن الجيزة القريبة بل والملاصقة لقاهرة المعز وقاهرة إسماعيل عاصمة مصر المحروسة في حاجة ماسة لمشارط الجراحين في جميع الاختصاصات، ولأن الأمر خرج عن سيطرة محافظها فانني ادعو بكل حب واخلاص - لانقاذ ما يمكن انقاذه - د. أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء ليعقد اجتماعًا عاجلا يضم وزراء البيئة والزراعة والاسكان والتنمية ليتخذوا ما يرونه عاجلاً وضروريًا لاعادة الوجه الحضاري والجمالي للجيزة الموضوعة علي أجندة السياحة العالمية وحتي يشعر المواطنون بانهم في ذاكرة الدولة وبأن محافظتهم ما تزال في الخدمة!!