لا أعتقد أن الزمان الذي عاش فيه بطل الحكايات والنوادر "جحا" كان به قوانين تنظم مرور الحمير وعدد الركاب الذي يجب أن يلتزم به ظهر الحمار .. بدليل أن المسكين جحا خرج إلي الشارع راكباً حماره وابنه يسير بجانبه فعاب الناس عليه قلبه القاسي الذي يجعله يركب وحيداً بينما يترك ابنه الصغير سائراً علي قدميه .. ونزل جحا علي رغبة الناس فسار علي قدميه بينما ركب ابنه الحمار فأثار بذلك سخط الناس أكثر وأكثر إذ كيف يركب الصغير بينما والده يمشي علي قدميه فذلك يعتبر تجاهلاً لقيم احترام الكبير وتوقيره والتضحية من أجله! لم يجد جحا بداً من الحل الثالث لارضاء الناس أو ربما لتفادي انتقاداهم فسار بصحبة ابنه وتركا الحمار يسير بجانبهما فضحك الناس متهمين الرجل وابنه بالجنون فكيف أملك حماراً فأسير إلي جانبه دون أن استخدمه في الركوب! ولو أن الناس أيامها - حددوا قانوناً لركوب الحمير لاستراح جحا وابنه واستراح الحمار أيضاً .. لكن غيبة القانون تجعل كلاً يتمسك برأيه معتقداً أنه الصواب دون أن يمنح الطرف الآخر رأيا بديلاً لهذا الفعل الخاطئ! ولنفس هذا السبب وقف النائب الإخواني علي لبن يهاجم صفقة بيع عمر افندي لشركة أنوال السعودية وفي غمرة حماسه وسخطه علي الحكومة طلب بإعدام الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء ومعه الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار عقاباً لهما علي هذه الصفقة! لقد هوجم علي لبن علي هذه التصريحات واعتبرها البعض عودة إلي سياسة إرهاب المخالفين في الرأي وخروجاً علي أدب الحوار الذي ليس من بين اسسه بالطبع اهدار دم الأطراف الأخري! وأنا واحد من المختلفين مع سياسة الإخوان المسلمين واراهم جماعة سياسية لا علاقة لها بالدين وحتي إذا اعتبرناها جماعة دينية فهي تطرح تصورات كفيلة بقمع أي صوت معارض وخنق أي مساحة حرية واعتبار المختلفين مع الجماعة مارقين يستحقون إقامة الحد. لكنني والله التمس العذر للسيد علي لبن .. فأنا أراه مثل جحا في القصة السابقة - ولا أقصد إهانته بالطبع- فهو وان اختلفنا مع توجهات جماعته نائب معارض يري أمام عينيه صفقة مشبوهة يجري تمريرها وربما وصلته معلومات عن المتورطين فيها وحجم عمولاتهم لكنه لا يملك علي تلك المعلومات دليلاً او وثيقة .. والمفترض لو طبقنا القانون أن النائب يستطيع إجراء التحقيق في أي واقعة يراها ضارة بالبلاد أو يستخدم وسائله البرلمانية مثل الاستجوابات وطلبات الاحاطة في محاسبة المسئولين عنها .. ولكن الحكومة تتبع نفس اسلوب سائقي ميكروباصات فيصل .. تطبق القانون ظاهريا لكنها تجهضه من جانب آخر .. تترك النائب يمارس دوره الرقابي ويقدم الاستجواب تلو الآخر ثم تهزمه بالضربة القاضية عندما تستغل اغلبيتها الزائفة دفن هذه الاستجوابات أو تحريض بعض نوابها علي تقديم طلبات بالانتقال لجدول الاعمال. الحكومة مثل الذين انتقدوا جحا تماماً .. تتهم نواب الاخوان بالإرهاب دون أن تقدم لهم - ولنا - الوسيلة القانونية لممارسة الدور الرقابي عليها .. هي تقول إن النائب يجب أن يعارضها طبقاً للقانون ولائحة البرلمان أيضاً! ثم تجهض معارضته لها بالقانون ولائحة البرلمان أيضاً! مل الرجل كل هذه الألاعيب وقال ما قال عن اعدام رئيس الوزراء ووزير الاستثمار .. وانا أعتقد أن كلامه هذا لم يكن مطلبه بقدر ما كان امنية في قرارة نفسه بأن يصحو فلا يجد رئيس الحكومة ولا نظامه .. ولا يهم إن كانوا قد اختفوا لأن الشعب اعدمهم أو لأنهم توفوا إلي رحمة الله اثر هبوط حاد في الدورة الدموية!