تتحدث "ميشيل أليو ماري" وزيرة الدفاع الفرنسية -وهي من النساء القليلات علي نطاق العالم ممن حظين بهذا المنصب القيادي العسكري- باستطراد عن لقائها الأول مع نظيرها وزير الدفاع السعودي، أثناء رحلتها إلي هناك في عام 2003 وتمضي قائلة في هذا الصدد خلال لقاء صحفي أجري معها: لقد كان من النادر جداً رؤية النساء في مثل تلك المواقع العسكرية. فقد ابتسم لي البعض، وود البعض الآخر لو يرجمني امتعاضاً إن كان في مقدوره. أما في وطنها فرنسا، فلم تكن الأمور أقل غرابة ولا توتراً بالنسبة لها. فقد اضطرت بعد سنوات من تبادل الغراميات الهاتفية، للإعلان عن علاقة عاطفية ربطت بينها والمشرع الفرنسي "باتريك أولير" قبل نحو سبع سنوات "أليو ماري" كانت من أوائل الشخصيات الفرنسية التي بعث بها الرئيس جاك شيراك إلي واشنطن، بغية المساعدة في ترميم العلاقات الفرنسية- الأمريكية. إبان الخصومة المريرة التي دارت بينهما بسبب الغزو الأمريكي للعراق. وها هي "أليو" تعود إلي واشنطن في رحلة قريبة مجدداً في الأسبوع المقبل. إلا أنها لن تعود هذه المرة بصفتها وزيرة دفاع لحكومة شيراك مثلما ذهبت من قبل، وإنما بصفتها منافساً قوياً ومحتملاً لخلافته في المنصب الرئاسي. وتجيء زيارتها هذه بعد شهر واحد فقط من جولة أمريكية قام بها منافسها نيكولا ساركوزي وزير الشئون الداخلية عن الحزب الحاكم، خاصة وأنها كانت بمثابة حملة انتخابية مداها أربعة أيام، طاف خلالها الوزير مختلف الولاياتالأمريكية، مؤكداً مناصرته القوية لعلاقات التحالف الفرنسي- الأمريكي. وعلي رغم الانحسار الملحوظ الذي طرأ علي التوترات الفرنسية الأمريكية خلال السنوات الثلاث الماضية، فإن غالبية الجمهور الفرنسي ظلت علي شكوكها إزاء القادة السياسيين، الذين بدا عليهم الاقتراب أكثر مما يجب من أعضاء وطاقم إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش. من بين ذلك كانت وزيرة الدفاع "أليو ماري"، قد تناولت إفطاراً رمضانياً بمسجد باريس الكبير، وما أن فرغت من التهام وجبتها من لحم الضأن المقلي، حتي انبري لها قادة من شباب المسلمين وفاجأوها بالانتقادات التي وجهوها إلي آرائها إزاء المقاربة الأمريكية لمشكلات الشرق الأوسط وسياسات واشنطن حيالها. ومن الطاولة التي كانت تجلس فيها، ردت الوزيرة علي منتقديها بالقول: إنه يسهل دائماً شن الحرب، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار بالإمكانات العسكرية الهائلة التي تتمتع بها الولاياتالمتحدة، غير أنه يصعب جداً صنع السلام. وبعد أيام قليلة لاحقة لذلك اللقاء، قالت "أليو ماري" في لقاء صحفي أجري معها في مكتبها بوزارة الدفاع، إنه ينبغي دائماً التمييز بين الحكومات والإدارات والشعوب. وأكدت في هذا الصدد وجود علاقات قوية تربط بين الشعبين الفرنسي والأمريكي، وأن هذه العلاقات تبقي بعيدة عن المساس، بصرف النظر عن تبدل الإدارات الحاكمة في البلدين. وفي مسعي منها للتشديد علي عراقة هذه العلاقات، فإن من المقرر أن تحضر الوزيرة الفرنسية الاحتفال بذكري معركة "يورك تاون" بولاية فرجينيا، وهي المعركة التي انضم فيها المقاتلون الفرنسيون إلي صفوف القوات الأمريكية بقيادة الرئيس جورج واشنطن، من أجل إلحاق الهزيمة بالبريطانيين إبان حروب ثورة 1781 التحريرية. أما جدول أعمال "أليو" المشترك مع المسئولين والقادة الأمريكيين فيشمل بين ما يشمل لقاء نظيرها دونالد رامسفيلد، مع العلم أن جدول الأعمال هذا يدور حول محاور محددة هي النزاع الشرق أوسطي بين إسرائيل والفلسطينيين، والأزمتان العراقية والأفغانية. أما علي صعيد الجبهة السياسية الداخلية، فقد سلطت الصحافة الفرنسية الضوء علي احتمال ترشيح امرأتين للمنصب الرئاسي في انتخابات العام المقبل 2007، هما "ميشيل أليو ماري" من حزب "الاتحاد من أجل الحركة الشعبية" الحاكم من جهة، و"سيجولين رويال" من "الحزب الاشتراكي" من الجهة الأخري، فيما لو أقدم حزباهما علي ترشيحهما. ومن ناحيتها صرحت "ميشيل" قائلة إن هذا الترشيح المرتقب سوف يهز السياسات الفرنسية كلها، علي الرغم من أنها لم تقرر ما إذا كانت ستسعي للحصول علي ترشيح حزبها لها قبل وقت متأخر من العام الجاري. غير أنها أشارت في الوقت ذاته إلي أن مجرد تولي امرأة لمنصب وزارة الدفاع كان أصلاً بمثابة هزة وصدمة للكثيرين. ولكن الجيد أنه حين أفاق هؤلاء من صدمتهم، لم يجدوا الأمر بذلك القدر من السوء الذي توقعوه، إن لم يكن أفضل من توقعاتهم بكثير في الحقيقة. وفي حين لوحظ تشديد "سيجولين رويال "علي استخدام صفتها الأنثوية في هذا الترشيح المرتقب، يلاحظ أن "أليو ماري" تصر علي مناداتها بصفة "الوزير" مستخدمة في ذلك أداة التذكير في اللغة الفرنسية،- وليس أداة التأنيث التي تقابل في اللغة العربية معني "الوزيرة". وحرصاً منها علي تأكيد ملاءمتها لتولي مهام وزيرة الدفاع، فقد شاركت في عمليات إنزال جوي للجنود وقامت بزيارة إلي جنودها في كل من أفغانستان ولبنان. وليس ذلك فحسب، بل إن هيآتها العامة نفسها تعزز هذه الملاءمة، إذ إنها تفضل قص شعرها وكذلك تفضل البناطيل والسترات علي الفساتين والملبوسات النسائية.