مازال التواجد الأمريكي في العراق يلحق ضرراً كبيراً بالعراقيين وبالقوات الأمريكية المرابطة هناك، فضلاً عن صرفه لانتباه الولاياتالمتحدة عن التحديات الخطيرة التي تظهر من مناطق أخري من العالم مثل كوريا الشمالية وأفغانستان. ومع هذا في العراق أصبحت الحياة أقل أمناً وما زال الوضع يتدهور منذ دخول القوات الأمريكية هناك في 2003، كما تبخرت الآن تقريباً الوعود التي أطلقها المسئولون الأمريكيون حول عراق ديمقراطي ومستقر بعدما تحولت إلي مجرد ذكريات بعيدة عن واقع العنف اليومي الذي يمزق البلاد ويهدد بشرذمتها إلي أجزاء متناحرة. لذا فإن الوقت قد حان لسحب قواتنا من العراق ومحاسبة المسئولين الذين اتخذوا تلك القرارات الكارثية التي كان من نتائجها إرسال جنودنا إلي بلاد الرافدين. ولعل الانتخابات المقبلة للتجديد النصفي للكونجرس هي الفرصة الأمثل لبدء المحاسبة الحقيقية. فقد كانت تكلفة القرار الذي اتخذه الرئيس بوش باحتلال العراق غالياً جداً، حيث مازلنا إلي حد الساعة ننفق سبعة مليارات دولار في الشهر للحفاظ علي تواجدنا في العراق. وليست التكلفة البشرية بأقل جسامة بعد سقوط حوالي 2740 من القوات الأمريكية والآلاف من المدنيين العراقيين، بينما الجرحي هم بالآلاف. أما فيما يتعلق بالعراقيين فالتكلفة فادحة جداً، حيث الانقسامات السياسية والطائفية تمزقهم وتهدد مستقبل بلادهم. لذا لم يكن غريباً أن يبدي 80% من العراقيين في استطلاع للرأي أجرته الشهر الماضي مؤسسة "وورلد بابليك أوبينيين" استياءهم من القوات الأمريكية، معتبرين أنها سبب الصراع وليست حلاً له. كما عبر 70% من العراقيين عن رغبتهم في انسحاب الجنود الأمريكيين خلال عام واحد. يضاف إلي ذلك أن تورط أمريكا في العراق أضر بوضعها علي الساحة الدولية، حيث قلل من قدرتها إلي جانب حلفائها علي تعبئة الموارد الضرورية لمواجهة التحديات المستعجلة في مناطق أخري مثل أفغانستان وكوريا الشمالية. فقد أجرت بيونج يانج تجربتها النووية الأولي في تحد سافر للإرادة الدولية، بينما برزت حركة "طالبان" مجدداً إلي السطح كقوة يعتد بها في أفغانستان بعد فترة من الهدوء لم تدم طويلاً. ومع ذلك يبقي التحدي الحقيقي الماثل أمام الولاياتالمتحدة هو في كيفية الخروج من العراق. وهنا آمل أن يسمح الكونجرس الجديد بتأمين انسحاب سريع ومنظم للقوات الأمريكية بتنسيق مع الرئيس الأمريكي. وإذا كنا مدينين بالكثير للعراقيين بعد الضرر الكبير الذي ألحقناه ببلدهم ومعاناتهم المتسمرة مع العنف الأهوج الذي يضرب العراق، وهو ما يحتم علينا الانسحاب علي نحو سلس سياسياً ومالياً، فإن ذلك لا يعني أنه علينا إبقاء قواتنا في العراق لمعالجة المشكلات العالقة. فقد أظهرت التجربة الأمريكية في العراق أن قواتنا غير مؤهلة للعب دور الإعمار وبناء ما دمر، وهي حقيقة أدركها نائب الرئيس العراقي المساند لأمريكا عادل عبدالمهدي عندما قال عن القوات الأمريكية إنها سبب رئيسي في المشاكل التي يعيشها العراق. ولن يألو القادة العراقيون، الأكثر حرصاً علي أمن واستقرار بلدهم، جهداً في تأمين انسحاب أمريكي سلس وناجح يجنب بلادهم الفوضي والعنف إذا ما أعلنت الولاياتالمتحدة انسحابها من العراق، ووضعت جدولاً زمنياً معيناً. وربما توصل العراقيون إلي طريقة أفضل في التعاون فيما بينهم وهم يبحثون عن وسيلة لضمان خروج آمن للقوات الأمريكية، ما سيدفعنا إلي تشجيعهم علي ذلك ومساعدتهم علي العمل سوية لتخطي الأزمة العراقية الحالية. ولابد لدول الجوار أن تنخرط ليس فقط في تسهيل خروج القوات الأمريكية من العراق، بل أيضاً لتسهيل التفاوض بين الفرقاء العراقيين حول قواعد اللعبة في العراق ما بعد الانسحاب الأمريكي. وفي هذا السياق علي الأممالمتحدة أن تدلي بدلوها من خلال عقد مؤتمرين عاجلين للمساعدة علي إنجاح خطط الانسحاب. كاتبة ومحللة سياسية أمريكية عن "كريستيان ساينس مونتير"