انتهي العدوان الاسرائيلي علي لبنان، لتبدأ حرب سياسية اعلامية في لبنان ، تنذر بأن تتطور في اي لحظة الي حرب اهلية خاصة اذا عادت عمليات القتل والاغتيالات، التي تصاعدت ذروتها منذ عامين باغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري ثم اغتيال عدد من السياسيين والصحفيين مثل الزعيم الشيوعي جوزيه حاوي والصحفي سمير القصير. الحرب السياسية دخلت ذروتها يوم الجمعة الماضية خلال مؤتمر النصر الإلهي الذي نظمه حزب الله وظهر فيه علنا وللمرة الاولي منذ العدوان الاسرائيلي زعيم الحزب الشيخ حسن نصرالله، الذي وجه من خلال هذا المؤتمر الجماهيري الحاشد في قلب بيروت رسائل جمعت ما بين التهنئة بالنصر والاحتفال به واستعراض القوة الي التهديد والتحذير لاطراف اقليمية ودولية مثل اسرائيل وامريكا ، وخصومه المحليين وحلفائه العرب والاقليميين مثل سوريا وايران. وطوال اسبوع كامل تواصلت ردود الفعل علي رسائل حسن نصر الله، وجاءت اهم الردود من الداخل خاصة من جانب رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية (سمير جعجع) الذي ظهر هو الاخر لاول مرة منذ خروجه من السجن في اجتماع جماهيري حاشد، اضافة الي استمرار ردود الفعل الصاخبة من رئيس اللقاء الديمقراطي وزعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، وزعيم كتلة المستقبل سعد الحريري، ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة. رسائل نصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية التي تعرضت لتدمير هائل خلال العدوان الاسرائيلي وعلي مساحة 150 الف متر مربع جري تمهيدها في الضاحية نظم حزب الله هذا المؤتمر الجماهيري الضخم حيث تم صف مائة الف مقعد لم تكف قرابة نصف مليون مواطن توافدوا للاستماع الي حسن نصر الله في اول ظهور له. واعترف نصر الله بأن مسألة ظهوره علنا قد شهدت مناقشات وخلافات ولكنها حسمت قبل المؤتمر بنصف ساعة ، مؤكدا ان ظهوره العلن وطائرات إسرائيل في الاجواء تمثل تهديدا وخطرا علي حياة الاف الحاضرين المؤتمر، ولكن جري حسم النقاش بحضوره مهرجان "النصر الإلهي". وفي ظل لافتات النصر واعلام ضخمة لحزب الله ولسوريا وايرانوفلسطين، ولافتات تهاجم إسرائيل ورئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة تقول احداها "اي ويللا يا سنيورة اطلع بره".. وجه نصر الله رسائله المختلفة التي تستحق التوقف عند اهمها. - الرسالة الاولي والاهم حواها شعار المؤتمر "النصر الالهي" وبالتالي كان خطاب نصر الله بمثابة خطاب للنصر تضمن التهنئة والتحية للمقاومين، والتأكيد علي ان حزب الله الان اقوي من قبل العدوان في 12 يوليو ، وان لديه 20 الف صاروخ. والرسالة الثانية للخصوم والفرقاء علي الساحة اللبنانية الذين طالبوا بنزع سلاح حزب الله وان يصبح جزءا من الجيش والدولة اللبنانية بتأكيده ان سلاح حزب الله مرتبط بقيام الدولة العادلة، وأن احدا لن يستطيع نزع سلاح حزب الله بالقوة. ورسالة ثالثة خاصة بالضمانات الامنية التي وقعت عليها الحكومة اللبنانية من خلال قبولها قرار مجلس الامن 1701 بتأكيدات ان حزب الله ليس مسئولا عن تلك الضمانات الامنية. - اما الرسالة التي وجهها للدول العربية فقد تضمنت انتقادات عنيفة وساخرة بقوله "كيف ستحصلون علي تسوية مشرفة، وأنتم تقولون انكم لن تقاتلوا!، ولا تريدون القتال ولا المقاطعة ولا السماح للناس بالنزول الي الشارع ولا تسمحون للمقاومة ان تتسلح في فلسطين. اما حلفاء حزب الله في سوريا وايران فقد نالهما التحية والتقدير ردا علي الذين يقولون ان الحرب التي حصلت في لبنان هي حرب ايرانية من اجل الملف النووي، او من اجل تعطيل المحكمة الدولية، مؤكدا اعتزاز حزب الله بعلاقته وصداقته مع الجمهورية الاسلامية بقيادة الامام السيد خامنئي والعلاقات مع سوريا قيادة وشعبا، ومؤكدا نحن استقلاليون وسياسيون لا علاقة لنا بهذا او ذاك. الرد علي نصر الله ولم تمر رسائل حسن نصرالله بدون تعقيبات وردود ساخنة ابرزها جاءت من الساحة اللبنانية وأعنف تلك الردود صدرت عن وليد جنبلاط رئيس اللقاء الديمقراطي والحزب الاشتراكي. قال جنبلاط ان نقطة الخلاف الاساسية مع نصر الله "التصاقه بالنظام السوري، الذي يريد افتعال ازمة وفتنة في الشارع السني وضد النائب سعد الحريري". وحول صواريخ حزب الله تساءل جنبلاط ما هو الهدف من تجميع حزب الله 20 الف صاروخ؟ ، الا اذا كان يقول للدولة سأضع شروطي وانضموا الي دولتي ، معتبرا ان الدولة الوحيدة والقادرة هي دولة القانون الواحد والسلاح بيد الجيش اللبناني. ولفت جنبلاط الانظار الي اتفاق الطائف الذي تجاهله حسن نصر الله وأنه يريد الغاء هذا الاتفاق وكذلك اتفاق الهدنة مع اسرائيل. وهاجم جنبلاط حزب الله وحسن نصر الله مؤكدا ان الحرب التي وقعت هي حرب استباقية قررتها ايران عبر سوريا من اجل مواجهة امريكا واسرائيل وهناك ملف اكبر هو الملف النووي، والملف السوري الذي هو محاولة الامساك مجددا بلبنان. السلاح أم الدولة؟ رد فعلي صاخب اخر صدر من رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع والذي ظهر هو ايضا لاول مرة بعد سنوات السجن وأكد علي عدة نقاط في موقف اقرب الي موقف وليد جنبلاط وكتلة المستقبل بزعامة سعد الحريري. المقاومة ليست حزب الله، ونحن في حاجة الي مقاومة سياسية سلمية ديمقراطية تقوم علي الكلمة وليس الرصاص وعلي الفكر وليس الصواريخ. لبنان لم يقم بشكل كامل وما زالت الاخطار تحدق به والاطماع كثيرة في ارضه ومياهه. سوريا لا تعترف بلبنان ولا تقبل بترسيم الحدود. والوضع الداخلي لم يثبت بعد وهناك خلافات كبيرة رغم انها محسومة في اتفاق الطائف الذي يريد البعض تدميره. بناء الدولة المستقلة لا يمكن ان يتم في ظل وجود دويلة لها استراتيجية واهداف واولويات غير اولويات الدولة. عندما نجد حلا لسلاح حزب الله يصبح بالامكان قيام الدولة وليس العكس. متي تنفجر الحرب في ظل هذه المواجهات الاعلامية والتراشق بالاتهامات والتهديدات، لا يبدو ان لبنان سائر نحو الوحدة او تجميع قواه من جديد وتطبيق اتفاق الطائف ، والقرار 1701 بل علي العكس فان الشواهد تدل علي ان السيناريو الاسوأ هو سيناريو الحرب الاهلية، فحزب الله يرفض تسليم سلاحه ويضع شروطه كمنتحر في الحرب مع اسرائيل لتنفيذها علي الساحة الداخلية. وكما انه يرفض صيغة اتفاق الطائف التي تنص علي ان الجيش اللبناني هو الجهة الوحيدة المسلحة. ويحتفظ حزب الله بعلاقات دولية واقليمية مع ايران وسوريا في وقت تشهد فيه العلاقات الحكومية الرسمية توترا مع هاتين الدولتين. وكما لم يستبعد حزب الله الدخول في حرب اخري في اطار المقاومة التي يدعو اليها ضد اسرائيل ، وهناك قوي رئيسية وكبري في لبنان تري في تلك الحرب استمرارا لتدمير لبنان وبدون مكاسب سياسية. مراجعة نتائج العدوان وإذا كان حسن نصرالله يري في نتائج العدوان نصرا إلهيا للبنان فهناك من يري العكس، صحيح هناك اجماع علي ما حققته المقاومة من صمود اسطوري في مواجهة العدوان الاسرائيلي، لكنهم يشيرون الي النتائج السياسية التي برز جزء هام منها في قرار مجلس الامن 1701، فالقرار ينص صراحة علي انهاء اي صور للمقاومة ونزع سلاح حزب الله وانتشار الجيش اللبناني وهناك قوات دولية "اليونيفيل" موجودة الان، وامامها مهمة تنفيذ هذا القرار. وفيما تسود الاحتفالات في الجنوب ابتهاجا بخطاب حسن نصر الله والمساعدات التي يقدمها لاعادة الاعمار، فان حالة من الخوف والترقب تسود بقية لبنان خاصة لدي الاحزاب والقوي السياسية المنضوية في تحالف 14 مارس، والتي رأت في خطاب حسن نصرالله نذيرا بحرب اخري قد تنفجر في لبنان في اي لحظة وهذه المرة من الداخل.