يبدو أن صعود الصين في ساحة الاقتصاد العالمي بات أمراً حتمياً، ولا سبيل لمقاومته، خصوصاً إذا عرفنا أنها قد تفوقت في الآونة الأخيرة علي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وأصبح اقتصادها هو رابع أكبر اقتصاد في العالم، بسبب سرعة نموه الهائلة التي تبلغ 10 في المئة سنوياً. ويسلي السماسرة في هونج كونج ونيويورك أنفسهم بمحاولة التنبؤ بالسنة التي سيتفوق فيها الناتج القومي الإجمالي في الصين علي نظيره الأمريكي. وهذه التنبؤات لها ما يبررها: فشره الصين للنفط والغاز والموارد الطبيعية من الخارج لا يشبع، وطبقتها المتوسطة تنعم برغد العيش ورفاهية الحياة، فتقتني الهواتف النقالة، والكلاب المدلَّلة، وتستهلك أرقي أنواع الآيس كريم، وتعيش في شقق فاخرة داخل مجمَّعات لها أبواب يحرسها رجال أمن، وأفرادها يترددون إذا ما شعروا بقلق واكتئاب علي الأطباء النفسيين، ويسافرون إلي الخارج لقضاء العطلات، ويقودون أحدث أنواع السيارات التي تجد لها بالكاد مكاناً في شوارع مدن بلادهم التي أصبح 40 في المئة من سكانها يعيشون في الحضر. وإذا ما كانت الصين تحاول إتقان تطبيق نظام يقوم علي "اللينينية" وعلي الاستهلاكية، أي الجمع بين النقيضين في آن معاً، فإن هذا النظام الهجين سيكون هو الأول من نوعه. فالاتحاد السوفييتي، والدول التي كانت تدور في فلكه لم تنجح في المزج بين النظام السلطوي والاقتصاد غير المقيد، كما أنها لم تستطع أن تتماشي مع متطلبات فترة ما بعد سقوط الشيوعية بل تحطمت عدة دول من المعسكر الشرقي السابق وتفككت وهي تحاول تحقيق ذلك. والصين أكثر هشاشة مما قد تبدو عليه من قاعات المطاعم الفاخرة المطلة علي الرصيف البحري لمدينة شنغهاي، فناطحات السحاب التي ترتفع في سماء المدينة نصفها خالٍ، والحكومة قلما تقوم بتخصيص رأس المال للمشروعات الخاصة التي تعمل وفقاً لأسس تجارية رشيدة، والبنوك قدمت 65 في المئة من قروضها للمؤسسات المملوكة من قبل الدولة، التي لا تنتج سوي 25 في المئة من الناتج القومي الإجمالي للبلاد. والدعم الذي تقدمه الدولة يجعل من الصعوبة بمكان حساب العائد علي رأس المال. والصين ترحب برجال الأعمال الأجانب، ولكنها لا تزال تتوجس إن الاقتصاد الصيني سيواجه نكسات ونكبات ما في ذلك من شك ولكن مع وجود الطبقة الوسطي البازغة، فإن المتوقع أن تقوم هذه الطبقة بصياغة السياسات القديمة, وبهذا المفهوم يمكن القول إن الازدهار الاقتصادي الصيني سيزدهر وسيخفق في آن معاً: فبمزيج من اللينينية- والاستهلاكية سيصل هذا النظام إلي نهايته الحتمية، أما كقاعدة لنظام سياسي في عصر ما بعد الشيوعية، فإن ما يبدو هو أنه سيمضي بشكل جيد نحو المستقبل.