هل أصبح العراق علي مشارف الحرب الأهلية؟ وهل ضاعت الآمال في استقرار أمني سريع يمهد لاستعادة العراق أوضاعه الطبيعية وانسحاب قوات الاحتلال؟ التطورات الأخيرة علي الساحة العراقية لا تدعو الي كثير من التفاؤل بل علي العكس تفتح الابواب امام امكانية تدهور أكثر يدفع بالعراق نحو الخطر المحدق والسيناريو الاسود وهو اندلاع حرب أهلية. نظرة سريعة علي التطورات الاخيرة في العراق هذا الاسبوع في محاولة لاستقراء الاوضاع ولمعرفة الي اين يمضي العراق. علم للأكراد في تطور له مغزاه أعلن رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني منع رفع علم العراق في الاقليم متحديا رئيس الحكومة "نوري المالكي" الذي اكد ان العلم العراقي الحالي هو الذي يجب رفعه في كل اقاليم العراق. البرزاني رد علي المالكي بتحد واضح مؤكدا ان العلم الحالي هو علم البعث والهزائم والتصفية العرقية والمقابر الجماعية وضرب حلابجة بالكيماوي، وبأن الاكراد يرفضون هذا العلم، والي ان يتم الاستقرار علي علم جديد فسوف يرفعون علمهم، اما اذا أراد البعض تحدي الاكراد فهم علي استعداد لاعلان استقلالهم. تحدي البرزاني يعكس ضيق الاكراد بالتطورات السياسية وعجز الحكومة عن فرض الامن والبدء في تنفيذ برنامجها الشامل، في ظل تمتع الاكراد عمليا بحكم ذاتي واستقرار وهدوء أمني، وثروات نفطية يتطلعون الي استثمارها بشكل جيد مع تحقق الاستقرار الأمني الذي لم يحدث حتي الآن. رئيس كردي للعراق وعلي الرغم من ان رئيس الدولة جلال طالباني من القيادات الكردية الكبري وهو أول رئيس كردي للعراق، فإن ذلك لا يبدو كافيا للاكراد الذين يعرفون ان منصب رئيس الدولة هو منصب شرفي، فيما السلطة الحقيقية لرئيس الحكومة علاوة علي الخلاف التقليدي بين الجناحين الكرديين الكبيرين بزعامة طالباني وبرزاني وهو خلاف تم احتواؤه منذ سنوات، ولكن خطوة البرزاني برفض علم العراق من شأنها اثارة الخلافات القديمة وتحدي سلطة رئيس الدولة الكردي الذي يحترم ويرفع علم العراق القديم حتي الآن. ثم جاءت عملية اغتيال الشيخ مهدي الجوادي ممثل المرجعية الشيعية الكبري آية الله علي السيستاني في مدينة العمارة ليشكل تحديا آخر للمرجعية الشيعية الذي هدد بالانسحاب من العملية السياسية والتركيز علي دوره كمرجعية دينية بعد ان ابتعدت الاحزاب والمنظمات الشيعية عنه وتجاهلت نصائحه السياسية لتهدئة الاوضاع، واتجهت للمشاركة في عمليات المواجهة. ولعل ابرز تطور سلبي في هذا الاتجاه تصاعد المواجهات المسلحة بين القوات التابعة لمقتدي الصدر والقوات العراقية رغم دخول مقتدي الصدر العملية السياسية ومشاركته في الانتخابات وتمثيله في البرلمان مما هدد بعودة المواجهات العنيفة السابقة علي هذا التطور بعد ان تم احتواء القوي الشيعية الاكثر خطرا وتسلحا والتي تسيطر علي مدينة الصدر وتهدد بنقل عمليات خارجها. السيطرة للتحالف تأجيل نقل السيطرة الامنية للقوات العراقية علي الرغم من تشكيل قيادة اركان عراقية تتمتع بسيطرة علي الجيش العراقي. وكان مقررا ان تقوم قوات التحالف بنقل السيطرة لقيادة الاركان ايذانا بتولي الجيش العراقي الذي يضم الآن 115 الف جندي وضابط المسئولية الامنية واعتبر ذلك مؤشرا علي عدم الثقة بتلك القوات والي استمرار قوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة في السيطرة علي مجمل الاوضاع الامنية. ضياع الرهان علي البصرة مد حالة الطواريء لمدة شهر آخر في البصرة التي ظلت هادئة لفترة طويلة، وكانت حكومة المالكي تعول علي الهدوء في البصرة باعتبارها بوابة العراق علي العالم ومنفذها البحري الوحيد ورئة العراق التي يتنفس منها إلا ان عودة العنف والمواجهات مع القوات البريطانية هناك اشارت الي ان الرهان علي البصرة يتعرض لتهديدات حقيقية. استمرار عمليات التفجير والاعمال الانتحارية في الاسواق وامام المساجد والطرق والتي وصلت الي حد تفجير امام وزارة الداخلية نفسها، وهو ما يشير الي فشل الخطة الامنية التي اطلق عليها شعار "يدا بيد" والتي تم وضعها بالتنسيق مع قوات الاحتلال، وكان الامل كبيرا علي نجاح هذه الخطة في تحقيق الامن باعتبارها الخطة الاكثر دقة والتي تم توفير امكانيات هائلة لانجاحها. وخاصة بعد قتل زعيم القاعدة مصعب الزرقاوي وقتل نائبه الرجل الثاني في تنظيم القاعدة بالعراق حامد جمعة فارس السعيدي "ابوهمام" منذ أيام قليلة. اعتراف بوش التقرير الصادر عن وزارة الدفاع "البنتاجون" والذي حذر من امكانية تدهور الأوضاع في العراق ولمح الي مخاطر حرب اهلية، وهو ما دعا الرئيس بوش فيما يبدو الي الاعتراف بخطورة الاوضاع وتخلي عن التعبيرات الحاسمة مثل "الصدمة والرعب" الي الاعتراف اكثر بصعوبة الاوضاع في العراق. اجمالا فان الحكومة المركزية تواجه تهديدا خطيرا بعزلتها وفشلها في السيطرة علي الوضع العراقي العام، واصبحت محاصرة داخل الخط الاخضر وانهيار الحكومة المركزية هو الخط الاخير امام الدخول الي منعطف الحرب الاهلية. السيناريو الاسود وفي ظل هذه التطورات السلبية المتتالية فان سيناريو الحرب الاهلية يبدو الاقرب وهو سيناريو تنبأ به الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين الذي استطاع عبر حكمه العراق بالحديد والنار السيطرة علي القوي الطائفية، وما ان انهار نظامه حتي انفجرت كل تلك القوي في محاولة للتعبير عن نفسها، وكان العنف والقهر والديكتاتورية في التعامل مع القضية الطائفية والتعددية العرقية والمذهبية والسياسية هو السبب المباشر في امكانية دخول العراق الي نفق الحرب الاهلية حيث لم يتعود الفرقاء علي أساليب الحوار الديمقراطي والمشاركة في صيغة تعددية، تعترف بحق كل طائفة في تميزها وتعترف بالعراق الموحد كمظلة للجميع. وما ان ضعفت القوة المركزية وغابت الديمقراطية اصبح العراق في فراغ، وبالتالي تقدمت القوي الطائفية لتعزيز قواها ومراكزها علي حساب الدولة المركزية الضعيفة التي لم تستطع تحقيق أي انجاز سواء علي صعيد اعادة الاعمار وتحقيق الاستقرار أو الامن وبالتالي اصبح الاحتلال امرا مفروضا ولا مفر منه حتي لا تسوء الاوضاع واصبح الانسحاب الآن اشارة لانفجار الحرب الاهلية بعد ان نجح بوش في تدمير العراق ولم ينجح ابدا في اعادة بنائه من جديد.