وقت الحسم للبرنامج النووي الإيراني يقترب حثيثاً.. وهناك لحظتان رئيسيتان في الأيام القادمة، يمكن أن تقررا ما إذا كان العالم سيتجه نحو المواجهة مع إيران أم نحو التفاوض معها؟. ينتظر أن تقوم إيران بالرد علي العرض الخاص بحزمة الحوافز الاقتصادية التي عرضها عليها الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن -بالإضافة إلي ألمانيا- في السادس من يونيو الماضي مقابل تعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم بحلول الحادي والثلاثين من أغسطس، أو مواجهة احتمال التعرض للعقوبات المتضمنة في قرار مجلس الأمن الصادر في الحادي والثلاثين من يوليو. إذن ما هي الاحتمالات؟ هناك شيء واضح فيما يتعلق بهذا الأمر وهو أن إيران لن تستجيب بسهولة للتهديدات. ففي الخامس عشر من أغسطس، وفي معرض تناوله لهذا الموضوع لأول مرة منذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي في الحادي والثلاثين من يوليو، أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أن بلاده لن تخضع للضغوط الأوروبية الرامية إلي إجبارها علي التخلي عن طموحاتها النووية. وقال أحمدي نجاد للسكرتير العام للأمم المتحدة كوفي عنان: "إن الشعب الإيراني لن يقبل لغة القوة"، وإن موقف بلاده: "يستند علي حقوق الشعب الإيراني التي لا يمكن لأي أحد أن يتخلي عنها". بيد أن أحمدي نجاد أضاف قائلا:"إن إيران مع ذلك مستعدة لتسوية الموضوع النووي من خلال المفاوضات". وفي الحقيقة أن ذلك موقف أكثر مرونة من أي موقف اتخذه الرئيس الإيراني من قبل. ونفس هذا الموقف كرره وزير الخارجية الإيراني "منوشهر متقي" في السادس عشر من أغسطس، وذلك عندما أعلن أن إيران مستعدة لمناقشة كل الجوانب المتعلقة بحزمة الحوافز الغربية وقال بالحرف إن من بين "النقاط المتعلقة بالحزمة تلك النقطة الخاصة بتعليق البرنامج. ونحن مستعدون للتفاوض بشأن جميع الموضوعات بما في ذلك موضوع تعليق البرنامج". قبل ذلك بيوم، ذهب "غلام رضا أغا زادة" رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة النووية إلي ما هو أبعد من ذلك، عندما أعلن أن بلاده "مستعدة لتقديم ضمانات للغرب... وأنها مستعدة لإعطاء الغرب تفاصيل خط الإنتاج المكون من 164 جهاز طرد مركزي، وهو الخط الذي يقوم بتخصيب اليورانيوم منذ إبريل الماضي". ما الذي تعنيه تلك التصريحات المختلفة؟ إن الشيء الذي يبدو واضحاً من خلال هذه التصريحات وغيرها هو أن إيران لا تزال مصممة علي امتلاك زمام السيطرة علي دورة الوقود الخاصة بإنتاج اليورانيوم، وحجة إيران في ذلك، أن من حقها تماماً الحصول علي التقنية النووية لاستخدامها في الأغراض السلمية وفقاً لمعاهدة حظر الانتشار النووي التي تعتبر من الدول الموقعة عليها... بيد أنها مستعدة علي الرغم من ذلك لإخضاع برنامجها للمراقبة الدولية حسبما هو مقرر في بنود تلك المعاهدة، بل إنها مستعدة أيضاً لمنح القوي الغربية مزيداً من الضمانات إذا ما رغبت في ذلك. وهذا الموقف يمثل في واقع الأمر موقفاً تفاوضياً يمكن التفاهم عليه. إن استراتيجية إيران، حسب هذا الزعم، تقوم علي السعي لإتقان التقنية النووية - تحت العين الساهرة للمفتشين الدوليين إذا ما دعت الضرورة لذلك- دونما حاجة للسعي فعلاً لتصنيع قنبلة نووية. أي أنها تسعي إلي الوصول إلي القدرة علي تصنيع القنبلة ثم الوقوف بعد ذلك عند العتبة النووية، التي يمكن أن تتجاوزها بسرعة، إذا ما واجهت تهديداً وشيكاً بهجوم من قوة معادية. هل سيرضي هذا الوضع الولاياتالمتحدة؟ من المؤكد تقريباً أنه لن يرضيها. ولكن ما هي البدائل المتاحة أمامها للتعامل مع إيران؟ ليس الكثير.. فحتي إذا ما أرادات استخدام نفوذها في مجلس الأمن فإنها ستواجه بمعارضة من الصين وروسيا وخصوصاً إذا ما سعت إلي فرض عقوبات علي إيران. أما قيام الولاياتالمتحدة بهجوم عسكري علي المنشآت النووية الإيرانية، فأمر سينظر إليه علي نطاق واسع أنه يمثل ضرباً من الحماقة، وأنه يمكن أن يدفع المنطقة بأسرها إلي هاوية فوضي مدمرة، كما أنه سيرفع أسعار النفط إلي أرقام فلكية، ويخلق حالة من عدم اليقين الخطر فيما يتعلق بضمان إمدادات النفط من منطقة الخليج، وهو ما سيؤثر بشكل كبير بالتالي علي محاولاتها التي تزداد يأساً علي الدوام للسيطرة علي التمرد في العراق. في مثل هذه الظروف، قد لا يجد العالم أمامه من خيار سوي القبول بما تعرضه عليه إيران أي القبول بأن يكون لديها برنامج نووي مراقب بشكل دقيق للأغراض السلمية. غير أن إيران ستقوم مع ذلك باستبقاء خيار أو إمكانية التخلي عن التزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، والاتجاه نحو العمل علي تحويل برنامجها من برنامج مدني إلي برنامج للاستخدامات العسكرية. ويجب أن يتم التأكيد هنا من قبل إيران علي أنها لن تستخدم السلاح النووي ضد إسرائيل لأنها لو فعلت ذلك فإنها ستكون كمن يرتكب عملاً من أعمال الانتحار كدولة، لأن الرد المباشر من قبل إسرائيل والولاياتالمتحدة في هذه الحالة سيكون هو محو إيران فوراً من علي الخريطة. والاستخدام الوحيد الذي يمكن لإيران توظيف السلاح النووي فيه في الواقع هو استخدامه كرادع ضد أي هجوم قد يقع عليها. ولكن هل يمكن لإسرائيل أن تقبل بهذه التسوية؟ لكي تقبل إسرائيل بمثل هذه التسوية فإنها ستكون بحاجة إلي إحداث ثورة في تفكيرها الأمني، وخصوصاً أن قادتها العسكريين ينظرون إلي إيران علي أنها تمثل خطراً ليس علي وجود إسرائيل ذاته، وإنما علي الحضارة الغربية ككل. وعلي الرغم من الانتكاسات التي واجهتها إسرائيل في لبنان، إلا أنها لا تزال غير مقتنعة بأن خيار السيطرة علي جيرانها عن طريق القوة العسكرية هو خيار يجب التخلي عنه. والاستراتيجيون العسكريون الإسرائيليون، وحلفاؤهم من "المحافظين الجدد" في واشنطن، ينظرون إلي "حزب الله" علي أنه يمثل قاعدة متقدمة لإيران في المنطقة، وهم حاولوا من خلال الحرب اللبنانية إضعاف إيران، وجعلها أكثر انكشافاً أمام الهجوم، وحرمانها من القدرة علي الرد من خلال "حزب الله". لقد أظهرت الحرب خطأ هذا النهج في التفكير؟ وهو ما يدفع بالتالي إلي الافتراض أن إسرائيل وأمريكا لن تقوما بسهولة بالتخلي عن محاولاتهما لتقويض، وإنهاء البرنامج النووي الإيراني بجميع الوسائل الممكنة، ما يجعلنا نعتقد في نفس الوقت أن الأسابيع والشهور القادمة لن تكون هادئة بحال.