ومن جديد ترتسم في الآفاق علامة استفهام اقرب إلي التعجب تارة والاستنكار تارة أخري حول العلاقة التي تربط بين إسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية وقد جاءت الحرب الإسرائيلية السادسة علي لبنان لترسخ هذه العلاقة الفوقية الاستراتيجية تجاه كافة دول المنطقة العربية ومعها يعلو التساؤل عاليا لماذا؟ وحتي متي يبقي هذا الدعم غير المحدود؟ غير أن الأمر الجديد في هذا الإطار هو التبعات التي ستترتب علي هذا الدعم جهة المشروعات الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط. وإذا كان بوش يمثل أعلي مراتب العطاء لإسرائيل فان الكونجرس الأمريكي في الأيام الماضية نافس بوش في هذا العشق والهوي الإسرائيلي ما يدلل علي سيطرة الروح الإسرائيلية واليهودية علي المقدرات الأمريكية وينذر بالكثير من الخطر القائم والقادم. الكونجرس يزايد علي بوش عبر مجلة "الفورين بوليسي" الأمريكية فضح "ستيفن زونس" أستاذ العلوم السياسية بجامعة سان فرانسيسكو موقف الكونجرس الأمريكي الذي قدم ضوءا اخضرا لإسرائيل لاستخدام المزيد من العنف في هجماتها علي لبنان وقطاع غزة. فقد صوت مجلس النواب الأمريكي في 20 يوليو الماضي بغالبية غير مسبوقة وصلت إلي 410 أصوات مقابل 8 أصوات لدعم عمليات إسرائيل الجارية دعما غير مشروط فيما وافق مجلس الشيوخ علي قرار مماثل بعد أن اسقط هذه العبارة من مشروع القرار وهي "نحث جميع الأطراف علي حماية المدنيين الأبرياء والبنية التحتية" وأثني القرار علي ما اسماه الجهود التي تبذلها إسرائيل لتقليل خسائر المدنيين. والحقيقة أن المرء يحار في فهم ما يجري ويتبادر إلي الذهن مباشرة مشهد الرئيس بوش معلقا بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وانه إذا كان ما جري في قانا من مذبحة مروعة أمرًا غير مقبول علي تعبيره فانه يتساوي كذلك في الخسائر البشرية والنفسية التي تحدثها صواريخ حزب الله في إسرائيل. هكذا يقلب بوش الموازين وهكذا يستن الكونجرس الأمريكي القرارات التي تكشف عن موافقة علنية علي إلقاء القوانين والأعراف الدولية في عرض البحر تحت ذريعة محاربة الإرهاب ويتلاعبون بميثاق الأممالمتحدة بزعم أن الهجمات الإسرائيلية علي البنية التحتية في لبنان تأتي في إطار دفاع شرعي عن النفس طبقا للمادة 51 من الميثاق رغم الإجماع العريض لأساتذة القانون الدولي علي عكس ذلك. وفي نهاية نص القرار يقول "نخلص إلي إدانة حماس وحزب الله" ولم يقترب بأي كلمة إدانة لهجمات إسرائيل علي الأراضي اللبنانية ولا من المجازر التي ترتكب بحق الشعب اللبناني ومدنييه وأرضه ويحاول القرار في نصه أن يحمل اللبنانيين بدلا من القوات الإسرائيلية المسئولية عن قتل المدنيين الأبرياء. ويحسب المرء بعد قراءة متأنية أن القرار صادر عن الكنيست الإسرائيلي لا عن الكونجرس الأمريكي غير أن الأكثر إزعاجا في كلمات القرار النهائية بعد ثنائه علي مواقف الرئيس بوش الأخيرة تجاه إسرائيل هو حث الرئيس علي إنزال كافة العقوبات السياسية و الاقتصادية والدبلوماسية بسوريا وإيران مصدرا الأزمة وباعتبار أن إدارة بوش بالفعل أخذت اشد هذه العقوبات ضدهما فانه من غير الواضح ما يمكن أن تفعله أمريكا أكثر من هذا وليس أمام بوش أي ضغوط جديدة يمارسها سوي اتخاذ إجراء عسكري. لماذا الانحياز السافر؟ تساؤل تطول إجابته ذلك لان الاختراق اليهودي للعقلية الأمريكية يتجاوز قيام دولة إسرائيل بعقود طوال إذ قامت أمريكا علي أنها ارض الموعد الجديدة التي تضارع ارض إسرائيل في التاريخ القديم ومن وحدة الكينونة كان الاندماج الروحي سبيلا إلي الهمينة الإسرائيلية المطلقة علي أمريكا وشعبها وحكومتها. والمؤكد أن هذا النفوذ قد اخذ في التصاعد والتراكم ولم يكن وليد عشية وضحاياها والدليل علي ذلك ما يورده جلين واتكال من الواشنطن بوست إذ يقول "إن بن جوريون في عام 1941 حاول جاهدا الحصول علي 15 دقيقة من وقت الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت لعرض قضية إنشاء دولة يهودية عليه لكنه لم يفلح فيما أيهود اولمرت في زيارته الأخيرة لواشنطن أمضي ساعات مع بوش في البيت الأبيض ووقف له أعضاء الكونجرس نحو ست عشرة مرة مصفقين مهللين أثناء إلقاء كلمته". والواقع أن الأمر لا يتعلق بشخص اولمرت بل بقوة ونفوذ اللوبي الواقف خلفه والمتآلف من مجموعة من المنظمات الأمريكية اليهودية وحملات جمع التبرعات ودوائر التفكير يساعدهم المحافظون المسيحيون وغيرهم من أنصار إسرائيل الذين ظهروا في النصف الثاني من القرن العشرين. والمؤكد أن ما جري خلال الأسابيع الأخيرة في واشنطن يدلل علي أن تل أبيب هي التي توجه سياسات واشنطن وليس العكس وفي عام 2004 تبني الكونجرس بشكل جماعي قانونا جديدا يكلف وزارة الخارجية الأمريكية مهمة مراقبة معاداة السامية حول العالم وفي التاسع من نوفمبر الماضي وافق الكونجرس علي القرار 368 الذي يرسخ وجود إسرائيل في الأممالمتحدة ويطلق حرية انضمامها إلي كافة لجانها. وفي الحق أن الحديث عن أوجه السيطرة الإسرائيلية علي الحياة السياسية الأمريكية يطول طالما وجدت منظمات من نوعية "الايباك" التي تخصص الآلاف من المتطوعين للضغط علي أصحاب القرار في واشنطن ولجمع ملايين الدولارات من التبرعات لدعم المرشحين السياسيين، منظمات يسعي إليها قادة أمريكا وسياسيوها السابقين واللاحقون كما يبدو في مؤتمرات الايباك. وقد استغل هولاء أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتعزيز نفوذهم وهو ما دعا احد أعضاء الكونجرس لان يصرح لأحد قادة الايباك بالقول "كنت دائما أدرك ما تقولونه عقليا ولكن الآن استوعبته حقيقة". وبدا الكثيرون من الأمريكيين يقبلون فكرة أن إسرائيل والولايات المتحدة لا يشتركان فقط في القيم بل في الأعداء وكشف استطلاع للرأي لجالوب أن 78% من الأمريكيين يحسنون الظن بإسرائيل و 23% يسيئون الظن بها وان الأمريكيين يدعمون إسرائيل علي الفلسطينيين بنسبة 58% مقابل 15% ومع هذه الرؤية السريعة يصبح من البديهي أن يدين الكونجرس الأمريكي حماس وحزب الله ويحملهما كافة تبعات ما يجري في لبنان وينقلب الضحية إلي جلاد تحت ضغط السيف الأمريكي المسلط علي رقبة العرب والمسلمين