الحرب انتهت في الواقع حتي وإن لم يدرك الجانبان ذلك بعد. النقاش المرير حول كونها حربا مبررة سيُحسم خلال الاشهر القادمة فقط. ولكن اسرائيل غير مستعدة لما سيأتي بعدها، أكثر مما كانت عليه عندما كانت بكامل حواسها مع بدء الحرب. الاختبار الأكبر فعلا لن يُسجل وفقا لتوازن القتلي والقضاء علي القواعد الصاروخية والمنازل المدمرة أو الرموز المعنوية - حقيقية أم زائفة - التي سيحاول الجانبان نقشها في رؤوس ملايين المواطنين المرهقين. ما سيحدد موقع اسرائيل ولسنوات قادمة، هو الطريقة التي سيتبعها المجتمع المدني والدولة اليهودية في ظل الوضع الجديد. لن تحدد أي لجنة تحقيق الاتجاه. الرؤوس يجب أن تتطاير، خصوصا بسبب فضيحة معالجة الجبهة الداخلية. هذه الحرب الأكثر غرابة في تاريخنا، أوضحت فجأة حجم عدو خسيس في باحتنا الخلفية. رغم قسوة هذه الحرب غير المسبوقة، إلا أنها لم تفتح بعد عيوننا علي حكومة تعرف كيف تضغط علي الزناد، ولكن دماغها السياسي ضيق مثل عالم النملة. الحرب - مثل حروب كثيرة في تاريخ الشعوب - هي ايضا فرصة خاصة لخوض عملية سياسية جديدة، إلا أن حكومتنا لم تدرك ذلك بصورة واضحة بعد. اهود اولمرت يدرك أن الانطواء أحادي الجانب قد تلقي ضربة صاروخية ساحقة. وربما كان ذلك السبب وراء مسارعته للاعتذار من ايفي ايتام عندما قال إن النجاح في لبنان سيعطي دفعة للانطواء. ليس بامكان أي شيء أن يكون أحادي الجانب بعد الآن: لا معالجة حزب الله، ولا الانسحابات من الضفة، ولا الكلام الفارغ حول قدرة اسرائيل العظيمة في ترتيب الامور وفق ما تشاء. العهد الجديد الذي فُرض علي اسرائيل الآن هو عهد المفاوضات، مع محركات الخيوط في الغرب ومع جيراننا ايضا. الجماعة الاسلامية تريد دولة شريعة في اندونيسيا الاسلامية العلمانية في غالبيتها. ونفس الشيء في جنوب تايلاند والفلبين وسنغافورة المحاطة بطبول الطم طم الجهادية العالمية والتي أرسلت الي هنا قبل الحرب وفدا رفيع المستوي حتي يتعلم من تجربتنا. ولكن ليس لديها ما تتعلمه من تبصر قد بدأت واشنطن نفسها تتعلمه علي جلدها: مواجهة التعصب الاسلامي الضخم تستوجب أكثر من بضع قنابل ذكية. بطريقة قد تبدو مفاجئة للكثيرين عندنا الذين لم يرفعوا بعد أصابعهم عن الزناد تجاه لبنان وغزة والضفة - هذا هو الوقت الملائم للانتقال الي جبهة مغايرة تماما. بعد القتل المتبادل تحديدا، نضجت الظروف لهجمة اسرائيلية واسعة نحو المفاوضات الجدية مع حماس والحكم الفلسطيني. لقد آن الأوان للتفاوض مع سورية، أو علي الأقل لجس نبضها. هذا هو الوقت الملائم حتي يبتدع العقل الاسرائيلي، رغم قصوره التاريخي الشهير علي طريق التفاوض المتبادل والتسويات والحساسية الانسانية وتخفيض نغمة الصوت المسترجلة المنفرة التي لا يخلو اولمرت منها. لجنود الإسرائيليين كانوا في غفوة قصيرة لحظة اندلاع الحرب الأخيرة هذه. ولعل هذا ما يفسر انقضاض "حزب الله" عليهم.