هل جماعة "الإخوان المسلمين" الأصولية، مهيأة لتسلم زمام القيادة والمسئولية في أي من الدول العربية؟ وهل هي في مكانة تؤهلها لنيل ثقة الجماهير وتسلمها لسلطة كهذه؟ اعتماداً علي التصريحات والمواقف والأفعال المنسوبة لممثلين بارزين لهذا التيار في كل من الأردن ومصر، مضافاً إليها ما رأيناه من مواقف وتصريحات حركة "حماس" في فلسطين، مصحوبة بالتصريحات النارية التي تطلقها تيارات الإسلام السياسي عموماً، فإن من المؤكد، النفي القاطع لأهلية "الإخوان المسلمين" للحكم والقيادة، بأي وجه. كما يصعب في الوقت ذاته، تصديق أي من الادعاءات المنسوبة لممثلي وقادة هذا التيار، بأنهم مع الديمقراطية والسلام، وغيرها من مزاعم لا يروجون لها إلا تكسباً وسعياً منهم للوصول إلي السلطة. ولكي ندلل علي صحة ما ذهبنا إليه، دعونا نستشهد هنا بثلاثة أمثلة، لعل أشدها إثارة للصدمة ما وردنا من الأردن مؤخراً. فهناك ذهب أربعة أعضاء برلمانيين _يمثلون حركة "الإخوان المسلمين" في الأردن في ذات الوقت- إلي منزل عائلة أبومصعب الزرقاوي، ل"العزاء" في مصرعه علي يد القوات الأمريكية مؤخراً. ومن فرط تبني هؤلاء للمجرم القتيل، وصفه محمد أبو فارس وهو أحد أعضاء الوفد بأنه "مجاهد شهيد". ونسي أبو فارس، أن هذا القتيل الموصوف ب"الجهاد والشهادة"، هو نفسه من أرسل قتلته وسفاحيه إلي الأردن قبل بضعة أشهر فحسب، حيث نفذوا سلسلة عمليات إجرامية إرهابية، راح ضحيتها 60 مواطناً أردنياً كانوا يشاركون في حفل زفاف، إضافة إلي تفجيرهم لثلاثة فنادق مختلفة! وإزاء تصريح كهذا، يجد المرء نفسه لا يكف عن التفكير والسؤال عن المنطق الذي يدفع جماعة "الإخوان المسلمين" الأردنية إلي الثناء علي مجرم بكل هذه الدموية، ثم تتوقع من الشعب الأردني أن يثق فيها بعد ذلك!! وحتي لو صرفنا النظر عن خيانة هؤلاء الأصوليين لوطنهم وشعبهم، فكيف تأتت لهم رؤية أية صورة إيجابية تستحق الإطراء، في ذلك السفاح المتعطش للدماء؟! فبكل المقاييس، لم يكن الزرقاوي سوي سفاح مريض، أزهق أرواح المئات من المدنيين العراقيين الأبرياء، شيعة وسُنة، نساءً ورجالاً وأطفالاً، ومصلين داخل حرم المساجد، وعمالاً فقراء يقفون في صفوف الانتظار الطويل بحثاً عن فرصة عمل ولقمة عيش كريم يقيمون بها أود ذويهم وعائلاتهم. وليس ذلك فحسب، بل أعلن الزرقاوي جهاراً نهاراً، أن هدفه هو إشعال نار حرب أهلية طائفية بين مسلمي العراق وغيره من الدول العربية. ثم أليس الزرقاوي عضواً بارزاً من أعضاء تنظيم "القاعدة"، وتابعاً لكل من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري؟ وليس الأردن وحده، بل لقد تكشفت نوايا وأفعال حركة "الإخوان المسلمين" في دول عديدة أخري، فلم يكن حصاد الشعوب منها سوي الحطام والهشيم. ففي كل مرة اقترب فيها "الإخوان المسلمون" من السلطة ومواقع اتخاذ القرار، لم تكن مؤشرات سلوكهم سوي التبشير بأنظمة حكم مستبدة قمعية باطشة، تزدري حقوق الإنسان، وتبصق علي القوانين، وتستنكف عن إقامة العلاقات الطبيعية السلمية بين مجتمعاتهم والعالم الخارجي. ولكي لا نطلق القول علي عواهنه، جاء مؤخراً في تصريح شهير للمرشد العام لحركة "الإخوان المسلمين" في مصر، أدلي به أثناء حوار صحفي أجري معه قوله بعبارة عامية: "...في القانون". فهل يمكن لقائد يتحدث لغة "شوارعية" سوقية كهذه، أن يثق به المصريون الذين لم يقدموا علي اختياره مطلقاً علي أية حال؟ بل السؤال: من الذي انتخب هذا المرشد ليكون مرشداً للحركة في المقام الأول؟ والإجابة أن من انتخبه هو "مجلس الشوري" داخل جماعة "الإخوان المسلمين". وكما نعلم فهو مجلس مؤلف من حاشية من الأصدقاء والمتواطئين الذين لم ينتخبهم أحد من المواطنين المصريين. وأينما أجلت النظر حول حركة "الإخوان المسلمين" الأصولية إجمالاً، علي نطاق الشرق الأوسط بأسره _بما فيه العراق وفلسطين والأردن- فإنك لا تتلقي سوي صدمة تلو الأخري. ففي قطاع غزة، لم يكن حكم حركة "حماس" لها خلال الأشهر القليلة الماضية، سوي كارثة محققة، علماً بأن "حماس" تعد جزءاً أصيلاً من حركة "الإخوان المسلمين" عموماً في المنطقة العربية، وتعمل تحت مظلتها الإقليمية الواسعة. نعم كان حكم "حماس" كارثة لأن الحركة وإن كان جري انتخابها ديمقراطياً وشرعياً من قبل الفلسطينيين، إلا أنها شرعت في تدمير حياتهم، منذ لحظة وصولها إلي السلطة مباشرة. هذا وقد بدأت "حماس" فعل الدمار هذا، بإعلانها عن رفضها القاطع والمتشدد الاعتراف بأي من الاتفاقات الدولية التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل وأوروبا والولاياتالمتحدة، منذ مؤتمر مدريد في عام 1990. كما أكدت الحركة رفضها لإبرام أية صفقة سلام مع إسرائيل، ورفضت نبذ العنف ومبادئها الداعية إلي تحرير فلسطين بالقوة العسكرية. أما النتائج والتداعيات المترتبة عن هذا السلوك غير المسئول فمعلومة ويمكن التنبؤ بها بكل سهولة ويسر. يجدر بالذكر أن كلاً من الولاياتالمتحدة وأوروبا، قد سارعت للتحذير من مغبة سياسات كهذه. وتكرر تحذير هذه الأطراف الثلاثة، من أن النتيجة المتوقعة لمواصلة "حماس" سياسة "اللاءات" والرفض المتعنت هذه، هي وقف المساعدات الإنسانية المالية التي يعتمد عليها الفلسطينيون في حياتهم ومعيشتهم اليومية. لكن وعلي رغم هذه التحذيرات واصلت "حماس" السياسات ذاتها، غير عابئة بما سيحدث، مع العلم بأنه ليست لها موارد مالية مستقلة، تمكنها من دفع رواتب العاملين والموظفين، دون الاعتماد علي المساعدات المالية الدولية. والنتيجة الطبيعية المترتبة عن هذا التعنت "الحماسي" هي عدم تمكن نحو 160 ألف موظف وعامل فلسطيني، من صرف رواتبهم عن الأشهر الثلاثة الماضية كلها. وتنحدر حياة فلسطينيي القطاع اليوم إلي كارثة المجاعة حرفياً، لكونهم يعيشون علي دخل يقل عن الثلاثة دولارات يومياً للأسرة كلها. ولا أظن أن هدف الفلسطينيين من انتخابهم لحركة "حماس" كان شوقهم وتمنيهم للجوع والفقر. وحتي هذه اللحظة، فإن الشيء الوحيد الذي أثبتت فيه الحركة كفاءتها عن جدارة وبسرعة البرق شأنها في ذلك شأن مثيلاتها في تيارات وحركات الإسلام السياسي هو فشلها في تولي الحكم بشكل عقلاني ومسئول