عندما أوضح أعوان ارييل شارون المقصود بالانسحاب أحادي الجانب من غزة، حرصوا علي التوضيح بأنه ليس هِبة ممنوحة للفلسطينيين. أما في المحادثات المغلقة فقد اختاروا كلمات أكثر رقة كعادتهم: سنخرج ونوجه لهم ضربة قاصمة، ومن ثم سنوجعهم ونخرج . بواسطة هذه الكلمات الحربجية تم إسكات الأنا الاسرائيلية المكتوية التي تعرف بينها وبين نفسها أن الانسحاب قد جاء في الأساس علي الضرر الفادح الذي لحق باسرائيل في الانتفاضة الثانية. وهكذا غلفوا حكاية الفشل الصارخ جدا بورق سلوفان تشع منه الألوان الأمنية وكلمة فك ارتباط . مشكلة الأنا حُلت: الجمهور اشتري ذلك وقبل به. ولكن الواقع التاريخي صاف تماما: اسرائيل بدأت بخطوة مغادرة المناطق بصورة كثيفة. حكومتها التزمت بأن يكون الانسحاب من غزة آخر خطوة أحادية الجانب، إلا أن حكومتها الجديدة أعلنت عن اخلاء اضافي. المؤشرات تدل علي وجود ديناميكية انسحابية جارفة. هناك من يقولون إنه لا يوجد هنا خطر بالمرة. وماذا اذا حدثت انسحابات أحادية الجانب؟ ربما كانت هذه أفضل طريقة لفصل القوات والبدء في التطبيع، هذا قصر نظر كارثي. يوجد لديناميكية الانسحاب جانبان، ومعناه في الجانب الفلسطيني بلورة رواية تدعي أن العنف يؤدي الي الانتصار، العنف وليس الحوار. الخطر يكمن في أن تكريس الصراع العنيف الذي سيتعزز مع كل انسحاب اسرائيلي أحادي الجانب قد يجر الفلسطينيين الي التطرف والنزعة الشمولية بحيث تصبح حدود (يونيو) غير كافية في هذه الحالة. هكذا يعتقدون في الليكود وميرتس علي سبيل المثال. من الممكن التفكير ببديل آخر. اذا كانت الحكومة الحالية تعتقد حقا أن السيطرة علي اغلبية الاراضي في الضفة تتعارض مع المصلحة الوطنية، فلماذا لم تصرح للفلسطينيين بذلك مباشرة، ومن ثم تتوجه الي اجراء المفاوضات معهم حول الانسحاب المتفق عليه بصورة تامة. هناك مشكلة مركزية في هذا الحل: هو سيبدو كحل انهزامي في نظر الجهاز السياسي. ولذلك، يتم تصوير الخطوة المتوقعة علي أنها عقوبة للفلسطينيين: اذا لم تفاوضونا وتتنازلوا، فالويل كل الويل لكم، وسننسحب من دون مفاوضات.