في العرض الاجمالي للارتباك الايديولوجي الذي تعيشه امريكا في الاونة الاخيرة من جراء فضائح التنصت هذه في العرض الاجمالي للارتباك الايديولوجي الذي تعيشه امريكا في الاونة الاخيرة من جراء فضائح التنصت هذه تحاول الادارة الامريكية ان تخطب ود الكونجرس الذي اجبرها -وإن بطريق غير مباشر- علي تقديم معلومات عن برنامج التنصت. والتساؤل كيف ذلك؟ بدا ذلك من خلال تصريحات بعض الاعضاء في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ علي تفاصيل برنامج التنصت علي الخطوط الهاتفية في الولاياتالمتحدة متراجعا بذلك عن موقف متعنت طوال الشهور الماضية رفض فيه الكشف عن تفاصيل البرنامج الا لعدد محدود من اعضاء اللجنتين. وقد جاءت موافقة البيت الابيض المفاجئة لكشف تفاصيل البرنامج المثير للجدل لجميع اعضاء اللجنتين في محاولة علي ما يبدو من ادارة الرئيس بوش لامتصاص غضب اعضاء الكونجرس الناجم عن انتهاك خصوصيات المواطنين الجنرال مايكل هايدن للحصول علي موافقة مجلس الشيوخ علي تعيينه مديرا لوكالة الاستخبارات الامريكية الامريكية CiA. وقد اعرب بيتر هوبكسترا رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب عن امله في ان تسهم هذه الخطوة فيما وصفه بوضع حد للسياسة البوليسية التي تحيط بهذا الملف لاتاحة الفرصة امام اللجنة للتركيز علي القضايا الاكثر جدية لحماية الامن الامريكي. وكانت الادارة الامريكية قد اكتفت في البداية باطلاع ثمانية نواب فقط من المعارضة والاغلبية علي هذا المشروع الا انها اضطرت لاطلاع قسم محدود من اعضاء لجنتي المخابرات والكونجرس بسبب الاحتجاجات التي اثارتها الصحافة الامريكية من جراء هذا المشروع. ويمكن للجمهوريين المدافعين عن هايدن ان يردوا ببعض الاستطلاعات المبكرة التي تظهر ان معظم الامريكيين يدعمون الرصد الالكتروني الموسع للامساك بالارهابيين حتي وإن اقتحمت خصوصياتهم ويتوقف هذا علي طريق كتابة سؤال الاستطلاع وقد اظهرت استطلاعات لاحقة مزيدا من التشكك ووجد مسح النيوزويك ان 53% وافقوا علي التصريح القائل ان قيام وكالة الامن القومي بجمع المعلومات يغوص اكثر مما يجب في خصوصية الناس في حين وافق 41% فقط. وبدا ان معظم خبراء القانون يوافقون علي انه في امكان الحكومة ان تجمع بيانات هائلة لسجلات العنف دون انتهاك الحظر الدستوري علي التفتيش والاحتجاز غير المبرر وهذا ما يدفعنا للتساؤل هل اضحت امريكا دول مخابراتية بوليسية باحتراف؟ انتهاك سافر للديمقراطية الأمريكية للاجابة نتوقف عند رأي له وزنه وهو لنائب الرئيس الامريكي الاسبق البرت جور والذي يري انه رغم الاختلافات الايديولوجية والسياسية بين الامريكيين جميعا، الا انه اليوم يتفقون علي ان القيم الامريكية التي نعتز بها ونتمسك بها بشدة تتعرض لخطر شديد من جراء الادعاءات غير المسبوقة التي خرجت من الادارة الامريكية حيال ذلك التوسع الرهيب في مهام السلطة التنفيذية. ففي الوقت الذي نستهل فيه - يكمل آل جور- عاما جديدا ضبط الفرع التنفيذي لحكومتنا وهو يقوم بالتنصت علي عدد ضخم من المواطنين الامريكيين بل ان هذا الفرع قد اعلن بكل وقاحة انه يملك حقا احادي الجانب في مواصلة هذا التنصت بلا اي اعتبار للقوانين المنصوص عليها من قبل الكونجرس والخاصة بحظر تلك الانتهاكات. ويضيف ال جور "لقد عترف اباؤنا المؤسسون بأن هيكل الحكومة الذي اسسوه بقوة داخل دستورنا صمم من اجل غرض رئيسي واساسي يتجسد من خلال سلطة القانون والرئيس الذي يمنح لنفسه السلطة لتجاهل التعليمات التشريعية للكونجرس ويعمل نهارا وليلا بلا اي ضابط تشريعي يتحول الي تهديد رئيس كان يسعي الاباء الي محوه من الدستور. والمؤكد ان التاريخ الامريكي يحفل بالانذارات من المشهد الحادث الان مستغلا الغبار الذي اثاره نهار الحادي عشر من سبتمبر لتحقيق ما خفي من اغراض. ومن بين تلك الانذارات ما قاله احد رؤساء امريكا السابقين "جيمس ماديسون" وفيه "ان تراكم كل السلطات سواء اكانت تشريعية او قضائية او تنفيذية في ايد واحدة او في ايدي اقلية او عدد كبير من الاشخاص جاءوا من خلال نظام وراثي او تعيين ذاتي او انتخابي هذا التراكم قد ينطبق عليه بشكل عادل تعريف الحكم الاستبدادي. اما توماس بين الذي اشعل منشوره الذي حمل اسم "عن الادراك السليم" الثورة الامريكية فقد وصف بشكل موجز البديل الموجود لدي امريكا وفي هذا الصدد قال الرجل اننا اتفقنا علي ان "القانون هو الملك". هل من يدعم برنامج التنصت؟ وللموضوعية يلزم القول ان هناك اصواتا مغايرة لرأي نائب الرئيس الامريكي السابق ومنها صوت "ريتشارد فولكنراث" نائب المستشار السابق للامن القومي الامريكي ومساعد الرئيس الامريكي حتي عام 2004 والذي يكتب عبر صفحات الواشنطن بوست تحت عنوان "تحية لصاحب فكرة التجسس علي سجلات الهواتف الامريكية قائلا فلنفترض ان هاتفا يخص محمد عطا قد اجري اتصالا لرقم هاتف داخلي وليكن "أ" ثم لنفترض ان "أ" اجري اتصالا مع الهاتف الداخلي "ب" ثم اجري "ب" بدوره اتصالا مع "ت" ولنفترض ان الاخير اجري اتصالا مع خالد شيخ محمد العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر فان افضل طريق فاعلة للتعرف علي تلك النماذج هو التحليل الحاسوبي لمليارات السجلات الهاتفية. وهذا النوع من التحليل من شأنه ان يميط اللثام عن افراد بعينهم سواء كانوا في الداخل او في الخارج ومن الواضح ان هناك مصلحة قومية عليا علي درجة كبيرة من الاهمية لتفهم واختراق هذه الشبكات الارهابية فاذا ما كان الافراد "أ" و"ب" و"ت" اصحاب الهواتف الداخلية موجودين داخل الولاياتالمتحدة وساهموا في تسهيل هجمات 11 سبتمبر فلربما يقومون الان بالتخطيط لتنفيذ هجمات اخري. والشعب الامريكي محق في ان يتوقع من حكومته ان تكشف عمن مثل تلك المؤامرات وان تمنع وقوعها. ويضيف في سلسلة تبريراته قائلا "ليس هناك سوي النذر اليسير من المسئولين في الحكومة الذين يمتلكون الخبرة والقدرة والمبادرة اللازمة لابتكار نظام قادر علي اختراق مثل تلك الشبكات عن طريق السلطات التشريعية والصلاحيات الممنوحة للرئيس معتمدين في ذلك فقط علي المصادر الفنية والتقنية المتاحة دون ان يتسبب ذلك في انتهاك خصوصية الامريكيين. غير ان التساؤل المطروح وبقوة الي اي مدي تجاوز الرئيس بوش تلك الصلاحيات؟ وحتي متي ستنقسم روح امريكا في داخلها وإلي اي مدي كذلك تمضي في مسيرة الديمقراطية التي عرفت بها او ترغب عنها لصالح دروب المكارثية وطرق البوشية الوعرة وتبعد كثيرا بل وكثيرا جدا عن روح النموذج الامريكي الديمقراطي الحر الخلاق لتقترب من منظومة الاخ الاكبر عند جورج اوريل والانسان الاعلي عند فريدريك نيتشه ومن لف لفهم؟