رغم كل الأفكار والاقاويل والاحداث التي تحاول ان تروج لنظرية الصدام الحضاري بين الشرق والغرب.. تلك النظرية التي تتحدي فطرة الشعوب في التعارف والتعايش.. وتسعي بائسة لبث سموم الفرقة والحقد والكراهية.. وتجد في فساد الأنظمة واهدار حقوق الإنسان وكبت الأفراد داخل اوطانهم، أرضا خصبة للانتشار ليس من أجل نهضة الأمم ورقي الانسان بل سعيا إلي الهيمنة علي مقدرات الشعوب والاستئثار بثرواتها وطمس معالم ثقافتها وحضارتها.. تحت مسمي شعارات زائفة. لكننا رغم ذلك.. نسمع اصواتا.. ونري أفعالا.. قادمة أيضا من الغرب.. ترفض الصراع وتدعو إلي الحوار والتعايش. في عام 2005 أطلق رئيس الحكومة الاسبانية خوسي لويس رودربجيل زاباتير ومبادرته للتحالف بين الحضارات وهاهي اسبانيا تقرر هذا العام وعلي مدي أكثر من اربعة شهور ابتداء من 19 مايو الحالي وحتي أواخر سبتمبر القادم الاحتفال بذكري مرور 600 عام علي وفاة ابن خلدون عالم الاجتماع العربي الاكثر تأثيرا في مجال علم الاجتماع والذي عكست اعماله وكتاباته في مجالات الفقه وعلم الاجتماع والسياسة والاقتصاد وأدب السيرة عبقرية فذة ونبوغا فريدا لازال العالم يرتشف من رحيقها حتي الآن. اننا نعتبر احتفال اسبانيا بذكري ابن خلدون هو اعتراف منها بفضل وقيمة الحضارة العربية الاسلامية التي اثرت الحضارة الانسانية، خاصة في الاندلس حيث مثلت عائلة ابن خلدون التي تمتد جذورها إلي اليمن، واحدة من أهم العائلات في مجتمع اشبيلية الاندلسي وحيث عاش هذا العالم العربي المسلم سنوات عمره متنقلا بين الاندلس والمغرب وتونس والقاهرة ودمشق. أيضا فإن هذا الاحتفال يعبر عن احترام اسبانيا لهذا التراث العربي وهو دعوة إلي احترام الآخر وانجازاته التي تفيد البشرية وهو أيضا دعوة إلي التأمل وتذكر احداث التاريخ في تلك البقعة من العالم التي شهدت تعايشا بناء بين الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلام، لقد ذكر فولتير ان التاريخ لايتكرر لكن الانسان الذي يصنع التاريخ هو الذي يتكرر واخيرا فإن احتفال اسبانيا بذكري ابن خلدون يعكس رغبتها في مواصلة الدور الذي تبنته من اجل ان تكون حلقة وصل للحوار والالتقاء بين الشرق والغرب.