رقابة التليفزيون أصابتها حمي التغيير، الذي اجتاح قطاعات اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وبدأت في التراجع عن حساسيتها الزائدة وتعنتها المرفوض، وغير المقبول، ورعبها غير المبرر من المشاهد الجريئة في الأعمال الدرامية، والدليل علي هذا ما فعلته، مؤخرا، بعد مراجعة 18 حلقة من سيناريو المسلسل الجديد "سكة الهلالي" الذي كتبه يوسف معاطي ويخرجه محمد فاضل ويقوم ببطولته يحيي الفخراني، علي الرغم من "الألغام" التي تضمنتها هذه الحلقات ال ،18 وتجاوزها الخطوط الحمراء. فقد كشف تقرير رقابي عن المناطق الساخنة، في الحلقات التي عرضت من السيناريو، وتركزت في كواليس الصراع بين الأحزاب، وتجاوزات بعض المحسوبين علي الأجهزة الأمنية، والعملية الانتخابية وما يشوبها من انحرافات سلبية، وحصانة عضو مجلس الشعب، بل إن السيناريو لم يتجاهل إدانة التليفزيون الذي ينحرف أحيانا عن الحياد، ويتهافت بدرجة مفرطة علي ترويج الإعلانات التي سرعان ما تتحول به عن دوره الإعلامي المفترض. الحلقات التي عرضت علي رقابة التليفزيون تدور حول "مصطفي الهلالي" الأستاذ الجامعي الذي يقدم برامج تليفزيونية، ويشغل منصب رئيس أحد الأحزاب، وتتسم سلوكياته، وشخصيته، بالمثالية، وفجأة يقرر ترشيح نفسه في الانتخابات، وإذا به يجد نفسه محورا لصراعات شرسة، وحرب قذرة يقودها منافسوه الذين يكشفون عن وجود ابنة غير شرعية في حياته، أنجبها منذ عشرين عاما، وفي حاجة لمن يصلح أحوالها، كما يتم الكشف عن تزوير والده لشهادة الثانوية العامة الخاصة بابنه "مصطفي"، وعلي الرغم من إسقاط النيابة للتهم الموجهة إليه، لكونها حدثت منذ عشرين عاما، حين كان عمره 13 عاما؛ أي لم يبلغ سن الرشد، فإنه يواجه مشاكل وأزمات عدة؛ حيث تقوم الجامعة بفصله، وتعطل لجنة الانتخابات إجراءات ترشيحه لمجلس الشعب، ولا يصبح بوسعه سوي مواجهة هذه المصاعب مدفوعا بإيمانه بصحة موقفه، وثقته في نفسه، وينضم إلي حزب آخر يرشح نفسه من خلاله، ويخوض العملية الانتخابية، ويقرر في الوقت نفسه التوقف عن تقديم البرامج التليفزيونية بعدما يكتشف أن المطلوب منه أن يتحول إلي "بوق إعلاني". المثير، والمفرح في آن واحد، أن الرقيب منح الحلقات ال 18 من السيناريو درجة جيد جدا، أي الدرجة الأقل مباشرة من الممتاز، وجاء الرأي الفني ليعكس وعيا لم نعهده من قبل في رقابة التليفزيون؛ حيث أكد أن العمل يلقي الضوء علي الفساد السياسي، وما يدور في كواليس الأحزاب من صراعات، وأنه جمع قضايا كثيرة نجح في تناولها والاقتراب من تفاصيلها في دراما الأحداث، خصوصا في جزئية إنجاب البطل لابنة غير شرعية من علاقة سابقة مع راقصة، ويتعرف عليها أي ابنته دون اللجوء إلي أخذ عينة ال D.N.A، وهي الجزئية التي حملت الرقيب علي القول إنها تحمل إسقاطا علي قضية أحمد الفيشاوي وهند الحناوي، يما يعني علي حد قول المراقبين أن إثبات البنوة أو النسب لا تتوقف علي ال D.N.A وحده. بالطبع لم يفوت الرقيب المناسبة دون أن يبدي اعتراضه المبدئي علي بعض أحداث الحلقات، خصوصا بعض الجمل والمسميات، وطالب بتعديلها أو التخفيف منها، وضرب المثال علي هذا بالتحقيق مع عضو مجلس الشعب، وهو الأمر الذي رأي الرقيب أنه يتعارض مع الحصانة البرلمانية لعضو مجلس الشعب، وطالب الرقيب بأن يعرض هذا المشهد بوصفه جلسة ودية بين المحقق وعضو مجلس الشعب مصطفي الهلالي، ورأي الرقيب أيضا ضرورة مراعاة تخفيف بعض الألفاظ والعبارات البذيئة في المشهد الذي جمع بين أحد الضباط و"الهلالي" وابنته من الراقصة. هذه الجرأة لم تمنع الرقيب، الذي اعتاد أن يصيبه الهلع من المناطق الملتهبة، من تأجيل البت في المشهد الذي تعرض فيه السيناريو للإخوان المسلمين من خلال شخصية الشيخ محمد عبدالمنعم خطيب المسجد الذي يدعو الناس للإصلاح، وأرجع التقرير التأجيل إلي "حين معرفة تفاصيل أكثر عن الخط الفكري والديني لهذا الشيخ، والنهاية التي سيصل إليها في بقية الحلقات التي لم تعرض علي الرقابة بعد، غير أن هذا الذعر لم يدفع الرقيب للحيلولة دون عرض مشهد لضابط يتجاوز في وظيفته، ويتخلي عن حياده بالوقوف إلي جانب أحد المرشحين، ووافق الرقيب علي المشهد باعتبار أن لكل مهنة فسادها وتجاوزاتها.. ومن المعروف أن مسلسل "سكة الهلالي" ينتج بنظام المنتج المشارك بين مدينة الإنتاج الإعلامي و"كينج توت للإنتاج" عصام شعبان.