مرة أخري عاد الإرهاب لتوجيه ضرباته لأمن مصر واقتصادها القومي، الأمر الذي يؤكد أن مصر، لأسباب كثيرة، باتت هدفا للجماعات الإرهابية، وأنه لم يعد من الممكن الاستمرار في أسلوبنا المعتاد المتمثل في الاستجابات الانفعالية لكل حادث إرهابي جديد، ثم العودة للاسترخاء مرة أخري، دون معالجة شيء يذكر من الأسباب التي أدت إلي الإرهاب. ويبدو أن الدرس الأهم الذي علينا تعلمه من تواتر الهجمات الإرهابية هو أنه سوف يكون علينا أن نتعلم التعايش مع الإرهاب الذي كاد يصبح إحدي حقائق الحياة التي لا يمكن تجنبها، وأنه بقدر ما يستطيع المجتمع والدولة الحفاظ علي هدوئه وسكينته وعلي إيقاع الحياة الطبيعية دون جزع، كلما كانت فرصته في هزيمة الإرهاب أكبر. لقد بينت تطورات الفترة 2004-2006 أن فترة السلام والأمن التي تمتعنا بها منذ عام 1997، في أعقاب الانتصار الذي حققناه علي إرهاب التسعينيات، قد انتهت، وأننا إزاء موجة جديدة وجيل جديد من الإرهابيين. ومع أن أجهزة الأمن هي التي تتولي العبء الأكبر في المواجهة الأمنية مع جماعات الإرهاب إلا أن القضية تظل سياسية في المقام الأول، وتظل أجهزة الأمن الأداة الني يستخدمها المجتمع لتعزيز أمنه، دون أن ينطوي هذا علي تقليل من دور أجهزة الأمن أو مكانتها في المجتمع. ولأن القضية سياسية في المقام الأول، فإن الهيئات والمؤسسات السياسية يجب أن تقوم بدورها. وبداية فإنه لابد للجنة الأمن القومي في مجلس الشعب من أن تعقد عدة جلسات استماع لدراسة هذه القضية، وعلي وزير الداخلية أن يذهب لإلقاء بيان أمام اللجنة، ولا بأس من أن تكون اجتماعات اللجنة مغلقة توفيرا للسرية اللازمة وتوفيرا لشروط مناقشة جدية تتجاوز الكليشات السائدة. في نفس السياق فإن الأحزاب السياسية عليها تخصيص جهدا لمناقشة الإرهاب ومواجهته، علي أن تتجاوز في مناقشاتها التفسيرات والشعارات المحفوظة حول حالة الاحتقان السياسي ونقص الديمقراطية رغم أهميتها. فالإصلاح السياسي يظل مطلبا ووسيلة أساسية للحد من الإرهاب، خاصة لما يؤدي له من الحد من الفساد، وتدعيم شرعية الدولة المدنية، واستعادة الثقة في فعالية الكفاح السلمي كأسلوب لتحسين الأوضاع العامة. لكن بالإضافة إلي كل ذلك يظل للإرهاب مصادره في الفكر المتزمت الذي انتشر، وفي أداء إعلامي يستسهل إشاعة عدم الثقة واليأس والتشاؤم، وفي نظام تعليمي لا يتخرج منه شباب قادر علي كسب الرزق بقدر ما يخرج قنابل موقوتة مشحونة بالتطرف. ويشير تكرار هجمات الإرهاب خلال فترة زمنية قصيرة في سيناء إلي أن الجماعات والأفكار المتطرفة قد أسست لنفسها قاعدة قوية هناك. وتبين الهجمة الإرهابية علي منتجع دهب أن السياسات الأمنية التي تم تطبيقها هناك في أعقاب ضربتي طابا وشرم الشيخ لم تكن كافية لمنع ضربة ثالثة، وربما تكون هناك ضربات أخري قادمة في الطريق. فكل ما نعرفه عن التطوير الذي تم إدخاله علي السياسة الأمنية في منطقة سيناء في أعقاب هجمات طابا وشرم الشيخ هو أن هناك تشديدا قد حدث علي مخارج ومداخل المنطقة، وأن حجم الوجود الأمني فيها قد زاد. غير أن كل هذا لا يتجاوز كونه زيادة في كمية الأمن وليس تغييرا وتحسينا في نوعيته. فربما كان الأمر يحتاج إلي أساليب أمنية أكثر اعتمادا علي التكنولوجيا الحديثة، من نوع أجهزة تتبع الرسائل الألكترونية والتليفونية، ومجسات الحركة والصوت والحرارة وكاميرات المراقبة، وليس خافيا أن ترقية المحتوي التكنولوجي لأنشطة أجهزة الأمن تتطلب نوعية مختلفة من رجال الأمن، وأنواع مختلفة من التأهيل والتدريب في معاهد ومؤسسات الشرطة، فلم يعد ضابط الشرطة التقليدي ولا فرد الأمن "فرز ثالث" يصلحون لمواجهة التحديات الراهنة. ولا تقتصر الحاجة إلي سياسة أمنية جديدة فقط، وإنما تمتد لتشمل الحاجة إلي دراسة سوسيولوجية، اجتماعية وثقافية، جديدة، فالخبرة الطويلة مع الإرهاب في الصعيد والقاهرة كشفت عن أنماط محددة من المؤثرات الاجتماعية والثقافية التي تدفع بعض الشباب للتطرف، غير أن فهمنا واستنتاجاتنا عن الإرهاب التي تعلمناها من خبرتنا السابقة معه لا يمكن تعميمها ببساطة وتلقائية علي منطقة سيناء ذات الطبيعة الاجتماعية والثقافية المختلفة، فالمؤكد هو أننا نحتاج إلي تطوير فهمنا لآليات وعوامل انتشار التطرف في منطقة وبين فئات اجتماعية لم يعرف عنها اهتمامها بالسياسة، ولا نعرف بالضبط ما نوع المشكلات التي تواجهها، فكما بينت الدراسات التي تم تنفيذها في الصعيد في زمن صعود الإرهاب هناك الحاجة إلي مشروع قومي لتنمية الصعيد، فربما بينت دراسة مماثلة عن الأوضاع في سيناء الحاجة إلي مشروع قومي لتنمية سيناء ولكن بطريقة تختلف عما تم تنفيذه هناك منذ استعادتها من الاحتلال الإسرائيلي.