أزعجني كثيرا البيان الذي وقع عليه عدد من مثقفينا بشأن الخلاف بيني وبين الفنان عادل السيوي، حيث إن الأصدقاء الذين وقعوا علي البيان لم يقرأوا بالتأكيد ما كتبه السيوي وجميع الذين كتبوا في هذا الشأن لم يطالعوا ما كتبه الفنان "عادل السيوي" في جريدة "أخبار الأدب" الصادرة بتاريخ 31/8/2005 في صفحتها السادسة تحت عنوان "نزهة في بستان الأكاذيب جولة مع تصريحات د. نوار" هذا هو العنوان الرئيسي الذي يصف تصريحاتي بالأكاذيب ومن ثم أكون كذابا وأسفل هذا العنوان مادة تحمل هذا المضمون في صفحتين تندر خلالها "السيوي" علي جزء هو الأغلي في حياتي حينما علق علي كتاب "نوار.. عين الصقر" ب "كأننا نقر حكاية للأطفال"، وأيضا "الدكتور نوار يريد أن يستثمر فترة تجنيده علي نحو خاص"، و(.. نص متواضع مثل كتاب رئيس قطاع الفنون "عين الصقر"). كما أشار إلي أن هذا النتاج أكبر من أنني "فريسة (سذاجة) ريفية مزمنة" ويخمن بأنني أسعي إلي (لفت أنظار صناع القرار) يقول السيوي ما قاله والكتاب الذي أفخر بما حواه من فترة تاريخية رغم مرارتها تضمنته شهادات كبار القادة العسكريين الذين عاصروا هذه الفترة اللواء عبدالمنعم خليل واللواء عصام حافظ والعميد حامد عبدالرحمن والعميد فكري شعبان. ولعلني أتساءل: ما الجرم في تدوين مرحلة من سيرتي الذاتية كانت فارقة في حياتي إنسانا وفنانا مصريا وعربيا؟ والحقيقة أن حماسي لإصدار هذا الكتاب إنما كان من الأديب جمال الغيطاني الذي ذهب إلي موقع الدفرسوار لعمل حوار شخصي معي ولم يتمكن من الوصول إلي نتيجة القصف الجوي المتواصل كما جاء علي لسانه في يومياته ب "الأخبار" عام 1993. مع كل ما جاء من شهادات بين دفتي الكتاب يتهكم السيوي ويطرح تساؤلا مدهشا للغاية: "كيف تخلي الجيش المصري عنه"، وقد أتاحت "حرية الرأي" للسيوي التهكم بمقارنتي بأبي زيد الهلالي والتساؤل دون معرفة أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر رئيس الجمهورية آنذاك أصدر قرارا بتسريح معيدي الجامعة بعد وقف النار لاستكمال دراستهم. ويعرف جميع المثقفين والمبدعين والفنانين، بأنني لم أسع طيلة حياتي المهنية والإبداعية التي اقتربت من الأربعين عاما، إلي أن أكون طرفا في خصومة مع أي إنسان، وبصفة خاصة إذا كان فنانا أو حتي من مدعي الفن، لإيمان راسخ بأن مهمة المبدع تنحصر أساسا في دعم قوي الحياة.. لا الانتقاص منها، والدفاع عن القيم النبيلة.. وليس اغتيالها، والانتصار لشرف الوطن.. وليس إهالة التراب عليه. لذلك كنت دائما ومازلت أتقبل بكل السعة والرحابة، جميع الانتقادات التي يمكن أن توجه إلي بصفتي مبدعا أو شخصية عامة تمارس وظيفة العمل العام، باعتبار أن النقد الموضوعي أكثر الوسائل تحضرا من أجل المتابعة والتصحيح ومراجعة الأخطاء علي أساس أنه من الممكن لأي أحد أن يجانبه الصواب، فلا عصمة لأحد، إلا لله سبحانه وتعالي. ومن هذا المنطلق ظلت علاقتي قوية وراسخة، يجمعها ود حميم مع معظم العاملين في جميع المجالات الثقافية والصحفية والإعلامية بجميع توجهاتهم وانتماءاتهم الفكرية والعقائدية. لقد كنت علي استعداد لأن أقبل في كثير من الأحيان، ولو علي مضض، أغلب الافتراءات والأقاويل الكاذبة التي تتناول أسلوب علمي، باعتبار أن هذا حق شخصي، الذي يمكن أن أسامح فيه أو أتنازل عنه، لكن أن يتجاوز الأمر هذا كله إلي الافتئات علي تاريخي العسكري، فهذا يتجاوز جميع الخطوط الحمراء.. وموضوع يستحيل السكوت عنه. أعرف أن هناك رأيا عاما، أقدره واحترمه بين جموع الصحفيين، وجميع أوساط المثقفين يطالب بوقف عقوبة الحبس في قضايا النشر، وأنا من أكثر الناس تفهما لمثل هذه المطالب العادلة، بل وأدعمها، وأقف إلي جانبها.. لكن أن يتم استغلال مثل هذا المناخ الإيجابي من أجل تصفية حسابات شخصية عن طريق إقحام الحركة الثقافية في قضايا "مفتعلة"، فهذا ما لا أرضاه. إنني أعتقد أن الأمر برمته بحاجة إلي وقفة متأنية وإلي مراجعة دقيقة تعود بنا إلي جوهر الموضوع.. فليس من مصلحة أي مثقف وطني شريف وغيور أن يتم تشويه فترة هي من أشرف وأطهر وأنبل فترات تاريخنا النضالي والوطني ولا أعرف من المستفيد من التشكيك في وقائع قتالية ثابتة "وموثقة" عسكريا بشهادات قادة الفصائل والكتائب والجيوش ولمصلحة من يتم تشويه التاريخ الشخصي والنضالي لمقاتلين مصريين، ساهموا بالعرق والدم في إفزاع العدو الإسرائيلي خلال حرب الاستنزاف المجيدة تمهيدا لإلحاق الهزيمة به في أكبر إنجاز عسكري عرفته الأمة العربية في التاريخ الحديث. لمصلحة من يتم تلويث الشرف العسكري، وإهالة التراب علي إنجازات شخصية أعتز بها، تمت علي أرض المعارك الحقيقية.. وفي جبهات القتال؟! هذا هو السؤال الذي لا استطيع الإجابة عنه.. والذي سوف يظل معلقا، ولن تتم الإجابة عنه إلا بمعرفة المثقفين الشرفاء الذين مازلت أثق بقدرتهم علي الإبصار بصفاء ووضوح رغم كل الغيوم. رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة