لم يكن اعلان ابراهيم الجعفري رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته تخليه عن لترشيح لولاية ثانية كاف لنزع فتيل الأزمة السياسية التي يعيشها العراق. فقد ذهب عدد من المعلقين الي ان هذا التطور لن يقضي علي التوترات العرقية والطائفية. وقال المعلقون حتي لو تمكن زعماء العراق في نهاية المطاف من كسر الجمود بشأن تشكيل حكومة جديدة سيتعين عليهم التركيز علي تحقيق الاستقرار في المناطق المضطربة في بغداد مثل الأعظمية حيث أشعلت التوترات الطائفية اشتباكات مسلحة عنيفة الاسبوع الماضي. وقال الجيش الامريكي ان 50 مسلحا هاجموا القوات العراقية في اشتباكات دامت سبع ساعات كانت عنيفة الي درجة اقتضت استدعاء تعزيزات من القوات الامريكية للمساعدة. وقال سكان ان المسلحين السنة دافعوا عن الحي الواقع في شمال بغداد ضد ما وصفوه بالقوات الحكومية الغازية ورجال ميليشيات شيعية متحالفين معها جاءوا بغرض الخطف والقتل. ومهما يكن الامر فان انعدام الثقة بين الطوائف العراقية عميق في مناطق مثل الأعظمية الي درجة أن تشكيل حكومة جديدة لن يقدم أي ضمانات لتحسين الامن. وقال مسلح من السنة عمره 28 عاما "ندافع عن حياتنا وجيراننا وعائلاتنا ضد أي هجوم. ونشهر أسلحتنا عاليا." ويكافح زعماء العراق الشيعة والاكراد والعرب السنة لتشكيل حكومة بعد مرور أربعة أشهر علي الانتخابات البرلمانية التي كان متوقعا أن تحقق الاستقرار. وحذرت الولاياتالمتحدة وبريطانيا الساسة العراقيين مرارا من أن الجمود يذكي العنف. لكن يظل أن أي حكومة جديدة ستواجه تحدي كسر حلقة من الاشتباكات الطائفية التي لا تهدأ والتي تهدد بدفع العراق الي حرب أهلية شاملة. ويأمل المسئولون العراقيون والامريكيون الذين يدعمونهم أن العملية السياسية ستقنع مسلحين مثل أبو نورس بإلقاء أسلحتهم وتبني الديمقراطية. لكن الضابط السابق في جيش الرئيس المخلوع صدام حسين يصر مرة اخري علي ما يصفه بأنه هجمات طائفية تشنها قوات الامن التي يهيمن عليها الشيعة علي حي الأعظمية الذي تسكنه أغلبية سنية. وقال أبو نورس "نعيش في عصر تفرط فيه الحكومة في استعمال القوة وتحركها في ذلك دوافع طائفية." ويقول هو ومسلحون اخرون انه لن يثق أبدا في الائتلاف الشيعي الموحد الذي يسيطر علي 130 مقعدا من مقاعد البرلمان عددها 275 مقعدا والمؤكد أنه سيظل هو القوة المهيمنة في الحكومة العراقية الجديدة. وعادت الحياة لطبيعتها في الحي الواقع في شمال العاصمة العراقية منذ اشتباكات الاثنين. وأعيد فتح المتاجر والمقاهي وعاد المصلون الي مسجد أبو حنيفة حيث شوهد صدام لاخر مرة علنا قبل اختبائه. لكن السنة في الأعظمية وفي أماكن أخري يتهمون الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة بانها اجازت فرق قتل تابعة للميليشيات. وتنفي الحكومة الاتهامات التي تزايدت بشدة منذ أثار تفجير مزار شيعي رئيسي في فبراير الماضي الاعمال الانتقامية وأعمال القتل المتبادلة. وعثر في شوارع بغداد علي مئات الجثث بها جروح أعيرة نارية واثار تعذيب. ويعتقد ابو علياء (57 عاما) وهو تاجر سابق ومسلح سني في حي الأعظمية أنه يمكن لحكومة غير طائفية أن توحد العراق. لكنه ليس متفائلا علي ما يبدو. وقال "ما يحدث هنا ليس مجرد مقاومة بلا هدف لكنه دفاع عن حياتنا وممتلكاتنا ومعتقداتنا." وكان رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته إبراهيم الجعفري اعلن أنه سيدعم اختيار كتلة الائتلاف الشيعية لأي مرشح يخلفه في رئاسة الحكومة، تاركا مسؤولية اختيار خلفا له علي عاتق الائتلاف. وقال الجعفري في خطاب تلفزيوني إنه سيسمح للائتلاف بإجراء تصويت جديد لاختيار رئيس للوزراء وإنه لن يكون عقبة في سبيل تحقيق هذا الأمر. وينهي الجعفري بهذا الموقف الجديد إصراره السابق علي البقاء ولاية ثانية رغم الاعتراض الذي أبدته قوي سياسية كثيرة علي إعادة ترشيحه للمنصب. ويتوجب علي الائتلاف الآن العمل علي إيجاد بديل للجعفري وسط ظروف صعبة تثير تساؤلات عن قدرة أي رئيس حكومة جديد علي مواجهة العنف الطائفي المتزايد فضلا عن العمليات المسلحة التي تزداد يوما بعد آخر. وعن الأسباب التي دعت الجعفري لتغيير موقفه، قال القيادي الكردي محمود عثمان إن هذا التحول أعقب اجتماعات جرت في النجف بين موفد الأممالمتحدة للعراق أشرف قاضي وكل من المرجع الشيعي الأعلي آية الله علي السيستاني والزعيم الشيعي مقتدي الصدر الذي يؤيد الجعفري. وقال مساعدون للسيستاني إنه أصيب بالإحباط بسبب عدم التوصل إلي اتفاق سياسي يتيح تشكيل حكومة جديدة، كما أنه حذر من تصاعد العنف الطائفي خصوصا في أعقاب تفجيرات القبب الذهبية في سامراء في فبراير الماضي. وفي واشنطن قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن "هناك مؤشرات علي أن الانسداد السياسي في طريقه للحل". ودعا إلي حكومة وحدة وطنية قوية وفعالة يمكن أن تستعيد ثقة العراقيين بالأحزاب السياسية وقادتها من جديد. غير أنه ورغم هذا التطور، فإن الكثير من العوائق لاتزال بحاجة لحلول مثل مسألة إسناد الوزارات السياسية المهمة كالداخلية والدفاع والنفط.