هي جملة تمثل كليشيها قديما كثيرا ما قرأناه في صفحة الحوادث تماما مثل تلك الجملة التي لاتقل عنها شهرة وهي " وعند مواجهته بالأدلة الدامغة انهار واعترف" غير أنني أطلب اليوم من زملائي أن يكفوا عن استخدام هذا الكليشيه وخاصة بعد أن تغيرت الأحوال وبات عدد كبير من الناس يهذون بكلمات غير مفهومة, وبعد أصبحت هذه الكلمات غير المفهومة عملة سائدة في سوق الكلام والكتابة والسياسة والمفاهيم السائدة بوجه عام. بمعني أوضح, لم يعد الهذيان بكلمات غير مفهومة قاصرا فقط علي هؤلاء الذين يرتكبون جرائم غير مفهومة, لسبب بسيط هو أن كل كلماتهم مفهومة وواضحة غير أننا لأسباب سأتولاها بالشرح, نصر علي عدم فهمها. ذكرت معظم المصادر أن الشاب الذي أمسك بالسنجتين ( السيفين) في كنائس الإسكندرية فقتل من قتل وأصاب من أصاب, كان يصيح: إلا رسول الله. وهو شعار جديد ظهر في أعقاب الحرب العربية الدانمركية التي اشتعلت معاركها في الأسواق والفضائيات العربية ضد المنتجات الدانمركية. ولعل من أهم أحداث هذه الحرب, ظهور مسئول في إحدي هذه الشركات علي شاشات التليفزيون يلقي في ندم بيانا حزينا يائسا ذكرني بالأسري الذين كانوا يظهرون علي شاشاتنا أثناء الحروب, يعلنون فيها أسفهم وندمهم. قبل ذلك وبعد إعلان حالة الحرب مباشرة, انهالت علينا حالات الاعتذار من الدانمرك ونشرت الصحيفة المتهمة بالإساءة لرسول الله عليه الصلاة والسلام اعتذارا في الصفحة الأولي باللغة العربية والدانمركية, كما نشرت هذه الاعتذارات في كبريات الصحف العربية, ولكن الشيخ أبو لبن وهو مواطن دانمركي, أعلن أن هذه الاعتذارات ليست كافية. كان من السهل علي هؤلاء الذين شاهدوه يتكلم في محطة أوربت أن يدركوا علي الفور أنه واحد من جنرالات هذه الحرب. هكذا أخذت تظهر كتائب جديدة علي جبهة القتال لا تريد لهذه الحرب أن تتوقف, فأثبتوا بذلك صحة المثل الشعبي القديم " عاوزين جنازة يشبعوا فيها لطم" من الطبيعي أن نشعر بالغضب والاستياء والضيق الشديد لأن رساما دانمركيا جاهلا بفن الكاريكاتير أولا وبالإسلام والمسلمين ثانيا, أساء للإسلام والمسلمين, بعد أن تصور بجهله الشديد أن من المسموح له أن يتناول نبينا بالرسم والتعليق. من الطبيعي أن نغضب من أجل ذلك أشد الغضب, ومن الطبيعي أن نطلب منه ومن صحيفته أن تعتذر لنا الاعتذار الكافي, وبعد أن يحدث ذلك, نطوي هذه الصفحة علي الفور ليبدأ الحوار بيننا لعدم نشوب المزيد من الحروب بيننا في المستقبل. غير أن كتائب عشاق اللطم في الجنازات, لم تكن قد شبعت بعد فواصلوا اللطم إلي أن انتهوا إلي ذلك الشعار الحق الذي يراد به الباطل وهو.. إلا رسول الله. وهي نفس الجملة التي كان يرددها الشاب في الكنيسة بينما هو يطعن الناس بسيفه. هكذا يتضح لنا بجلاء أن صيحات القتال المتطرفة التي نطلقها ضد أعدائنا الحقيقيين والمتوهمين, لا نعلن فيها الحرب عليهم, بل علي أنفسنا. لا أحد علي وجه الأرض قادرا علي الإساءة لرسول أو نبي,فهم جميعا في مقام أعلي من أن يصل إليه البشر بالإساءة, والرسام صاحب الإساءة ليس في خصومة مع رسول المسلمين بل مع المتطرفين من بينهم, وأنا واثق أن المتطرفين في الشرق الأوسط وفي الدانمرك وفي العالم كله علي يقين من ذلك, المتطرفون جميعا علي وعي بأن هذه الرسوم تقصدهم هم بهدف دفع الإرهابيين من بينهم إلي إعادة التفكير في مفاهيمهم الضارة بالإسلام والمسلمين وبالمجتمع الإنساني. هذه هي وظيفة الفن بوجه عام, إغراء المخطئين والخاطئين بالانضمام لقافلة البشر المسالمين. ولأنهم علي يقين من ذلك, أرادوا أن تستمر الحرب العربية الدانمركية علي الأقل من جانب واحد. ولأنهم علي يقين من أن هذه الرسوم تشير لهم ولإفعالهم هم وليس لرسول الله عليه الصلاة والسلام لذلك خاضوا هذه المعركة بشراسة بهدف إطالتها إلي أبد الآبدين , فظهر هذا الشعار ليس في الدانمرك بل هنا في في شوارعنا وفي مفرداتنا وبين عقلائنا ومخبولينا, وهو أكرر شعار حق يراد به باطل وهو أن تستمر الجنازة تدور في شوارعنا ليشبعوا فيها لطما مؤجلين لحظة دفن الأحقاد لأطول زمن ممكن. وفي الوقت الذي يعجز فيه هذا الشعار عن التأثير في البشر العاديين, إلا أن من المؤكد أنه سيجد طريقه للتعشيش في أمخاخ المتطرفين الذين يعانون أصلا من خلل في الشخصية ولا أقول اضطرابات نفسية, ويظل كامنا إلي أن يجد فرصة للخروج والتجسد في فعل متطرف. هنا أتوقف لحظة لأقول.. ليست هناك خطورة علي المجتمع من الاضطرابات النفسية التي تصيب بعض الأشخاص, فهم غالبا مساكين منسحبون يتألمون في صمت ولا يميلون للعدوان علي الآخرين, بل هم مشغولون طول الوقت بحماية أنفسهم من المجتمع نفسه. أما الخلل في الشخصية, Personality disorders فهو ما يدفع عددا كبيرا منهم إلي العدوان علي المجتمع, بمعني أدق علي الحلقات الضعيفة فيه, أي الأقلية. هذا النوع ليس له قضية ولا يحزنون, هو فقط يعاني من رغبة محرقة في العدوان علي الآخرين, وهو علي وعي بذلك أو كما يقول رجال الطب النفسي في مصر ( مستبصر ) بها , أي أنه يعي أنه مجرم يمارس الجريمة, ولأنه جبان لذلك هو يبحث عن غطاء ضميري, هذا الغطاء سيعطيه له متطرف أكثر ذكاء وقادر دوما علي المراوغة والإفلات من تبعات أفعاله.. وكان الغطاء هذه المرة.. إلا رسول الله.. وهي كما قلت كلمة حق يراد بها باطل. والحديث متواصل.