لعل الحرب الباردة قد انتهت فعليا. لكن هذا لا يعني أن الأسلحة النووية قد اختفت عن وجه الأرض. فبعيدا عن تحقق إنجاز كهذا، يشكل العالم اليوم قاعدة لما يزيد عن ثلاثين ألف سلاح نووي أعد الآلاف منها للإطلاق في غضون لحظة علي مدار أربع وعشرين ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع. ولا يزال أكثر من أربعمائة مفاعل في السفن الحربية والغواصات المجهزة بأسلحة نووية يجوب الكرة الأرضية. والواقع أن بعض هذه المفاعلات يتحلل في قعر المحيط أو في أي ميناء بعيد في مكان ما من روسيا. فالحوادث، علي غرار الحادث المأساوي الذي تسبب بغرق الغواصة الروسية "كورسك" في بحر بارنتس، قد تقع في أي لحظة وفي أي مكان. ان التجارب علي الأسلحة النووية التي تجاوز عددها ألفي تجربة قد خلَفت وراءها إرثا من التلوث العالمي والإقليمي. فقد أصيب السكان الذين يقطنون بالقرب من مواقع التجارب بمشاكل صحية مختلفة في طليعتها الأمراض السرطانية والإجهاض، بل إنهم لا يزالون عرضة لهذه المشاكل. وإذ ذاك، اضطر الكثيرون إلي النزوح عن جزرهم أو بلداتهم الأم التي باتت الحياة فيها مستحيلة بسبب التلوث. وعلي الرغم من امتلاك العديد من الدول الكبري لبرامج واسلحة نووية الا ان الولاياتالمتحدة ترفض اعطاء هذا الحق لايران التي اعلنت مؤخرا انها أصبحت ثامن دولة في العالم تتمكن من تخصيب اليورانيوم منخفض المستوي. وقال الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد في مدينة مشهد ان "إيران انضمت إلي نادي الدول النووية في العالم". وأضاف نجاد ان إيران تمكنت في التاسع من شهر إبريل الجاري من اكمال دورة الوقود النووي علي الصعيد المختبري بالاضافة إلي انتاجها الوقود النووي الذي تحتاجه محطاتها النووية.وقد نجحت طهران في إنتاج 110 أطنان من غاز اليورانيوم بهدف التخصيب. ومن جانبه وصف رفسنجاني الذي شغل خلال الفترة من( 1989 -1997) منصب رئيس إيران الملف النووي الإيراني في الوقت الحالي بأنه "معقد للغاية" نظرا لأن كافة القوي الكبري تتابع هذا الملف عن كثب كما أن إيران جادة في الدفاع عن حقوقها المشروعة. وربما يشعر البعض بالسعادة بمراقبة القوي العظمي النووية وهي تضغط علي الدول غير النووية لانتزاع موافقتها علي الامتناع عن انتاج طاقة نووية، لكن الدول النووية نفسها لا تبرر لماذا لم تتخلص هي اولا من مفاعلاتها. يعشقون ان يشاهدوا الاسلحة النووية تقدم كمقياس لعظمة هذه الدولة او تلك. ان الرابحين الوحيدين في هذا النزاع يتاجرون بالمواد التي تسمح بقرع طبول الحرب. انهم باعة مصانع للطاقة النووية، وبناة الاسلحة النووية. ويري بعض النقاد ان احالة ايران الي مجلس الامن بسبب اتهامها بمحاولة تطوير برنامج للحصول علي الاسلحة النووية يعتبر خطأ فادحا لا ينتج عنه الا مزيد من العنف في المنطقة. احالة الي مجلس الامن هي بالفعل الطريقة الفضلي في التعامل مع الملف الايراني. وقد سبق ان صرح رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية د. محمد البرادعي اليوم ان المسألة الايرانية لم تتحول بعد الي ازمة، غير ان احالتها الي مجلس الامن قد يجعل منها كذلك. وسيؤدي الامر الي الضغط علي المفتشين اثناء سعيهم الي معالجة القضايا العالقة بخصوص برنامج ايران النووي. من السهل علي ايران ان توقف تدهور الوضع... عبر الاعلان عن تعليق التخصيب واعادة التصنيع لافساح المجال امام استكمال المفاوضات ولكن ما فعلته ايران هو العكس تماما فقد استمرت في بناء مفاعلاتها وتخصيب اليورانيوم بل واعلنت انها انتهت بالفعل من تخصيبه. ويعتقد بعض المحللين ان مجلس الامن ليس الهيئة المناسبة لحل نزاع حول امكانية حيازة دولة علي برنامج نووي . فهذا المجلس عجز عن تطبيق التزامات شرعته التي تنص علي تقليص الموارد التي تنفق علي التسلح او الدفع الي اخلاء الشرق الاوسط من التقنية النووية. عوضا عن ذلك، عمد الاعضاء الدائمون في المجلس وهم دائمون لانهم في الحقيقة يملكون اسلحة نووية الي المساهمة في سباقات التسلح والربح من تجارة الاسلحة، ورفضوا بعناد تطبيق التزاماتهم المتفق عليها (في اتفاقية الحد من الانتشار النووي) وإزالة ترساناتهم النووية.فكيف ينتظر من مجلس الامن ان يحل الازمة الايرانية؟! الحل الوحيد للأزمة يكمن في السعي الي جعل الشرق الاوسط منطقة غير نووية. انها خطوة جوهرية تزيل مخاطر انتشار الاسلحة النووية في المنطقة وتقدم ضمانات امنية اساسية من الدول النووية الكبري خارجها. وذلك يعني انهاء كافة برامج الاسلحة النووية الجارية او طور الانشاء ووقف الطاقة النووية ايضا. ولكن ايران تصر انها ببساطة تمارس حقها المنصوص عليه في اتفاقية منع الانتشار النووي بتطوير "تكنولوجيا نووية لأغراض سلمية". وهذا امر غير موجود. فبمجرد حيازة دولة علي برنامج للطاقة النووية يمسي تطوير برنامج تسلح نووي بمتناولها. ويعتقد النقاد ان ايران تمتلك فرصة الآن لوقف هذا الانزلاق نحو الحرب عبر دعوتها الي جعل الشرق الاوسط منطقة غير نووية. هذه الفرصة نفسها بمتناول المجتمع الدولي ايضا ليجعل العالم غير نووي. أما مسار الازمة الحالي، فهو خسارة لجميع الاطراف ما عدا منتجي الاسلحة والطاقة النووية