لأول مرة.. خريجو المدارس الفنية والتكنولوجيا مؤهلون للالتحاق بكليات الحاسبات    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    وزير العمل يزور عمالًا مصريين في صربيا    تعرف على أسعار الخضراوات والفواكه مساء اليوم السبت 31 مايو 2025    رويترز: إيران تعتبر تقرير وكالة الطاقة الذرية حول برنامجها النووي له دوافع سياسية    سياسي عماني: متفائل بمستقبل المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة حول البرنامج النووي    وفاة الرئيس الأسبق لإنتر ميلان الإيطالي    سيف الجزيري يقود هجوم الزمالك أمام فاركو    بالصور.. طقس الإسكندرية العاصف يخلّف دمارا على الكورنيش وتجمعا لمياه الأمطار داخل نفق للمشاة    تعرف على تفاصيل ألبوم تامر حسني الجديد "لينا معاد"    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    فضل صيام يوم عرفه وكيفية الاستعداد    بعد 9 مواسم.. الأهلي يعلن رحيل السولية    إنتر ميلان يطارد النجمة الرابعة في نهائي دوري أبطال أوروبا 2025    تخفيضات على تذاكر مصر للطيران تزامنا مع إجازات عيد الأضحى المبارك    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان أعمال تطهير الترع    على باب الوزير!    تجربته الأولى.. جون هيتينجا مدربا ل أياكس    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    وزير التعليم العالي ومحافظ المنوفية ورئيس جامعة المنوفية يفتتحون مركز الاختبارات الإلكترونية بكلية الحقوق بجامعة المنوفية    وزير الخارجية ل"صوت الأمة": السياسة الخارجية المصرية تستند لمبدأ "الاتزان الاستراتيجي"    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    شبكة المنظمات الأهلية: الاحتلال دمّر بنى اقتصادية ويستهدف المؤسسات الإغاثية    غدا على المسرح الكبير بدار الأوبرا .. مي فاروق تحيي حفلا غنائيا بقيادة المايسترو مصطفي حلمي    وزارة الصحة تعلن خطة التأمين الطبي لعيد الأضحى المبارك وموسم الاجازات الصيفية بجميع المحافظات    أيمن أبو عمر يوضح أعظم العبادات والطاعات في عشر ذي الحجة    من أول ساعة.. كيف يستفيد جسمك من الإقلاع عن التدخين؟    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    سقوط طالبة من سلم الدور الأول بكلية البنات عين شمس والجامعة تنقلها لمستشفي الطوارئ    البحيرة: الانتهاء من أعمال رصف شارع الروضة بدمنهور لتحقيق السيولة المرورية    بعد انتهاء أزمتها.. آية سماحة توجه الشكر لنقابة المهن التمثيلية    إصابة طالب ومراقب باعياء وتشنج خلال امتحان اللغة العربية للشهادة الإعدادية بالمنيا    محمد الريفي عن طليقته: ربنا يكرمها ويكرمني.. ومستحيل أتكلم عن الماضي    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    خبير شؤون روسية: أوروبا فوجئت بطول أمد النزاع بين موسكو وكييف    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في حفل تنصيب ريموند سمعان راعيًا للكنيسة بطهنشا    كيف تعامل مستشفى قنا العام مع حالة الولادة لمصابة بفيروس HIV؟ .. مصدر طبي يكشف ل«الشروق»    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    أوبك + تقرر زيادة الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يوميا في يوليو    برأة راندا البحيري من تهمة سب وقذف طليقها    ماذا يأكل الحجاج؟ بعثات الحج السياحية تشارك في جلسة «تذوّق الوجبات»    250 مليون نحلة طليقة في الهواء بعد انقلاب شاحنة.. ماذا حدث في واشنطن؟    توريد 483 ألف طن قمح لصوامع المنيا منذ بدء موسم 2025    معالم سانت كاترين السياحية استقبلت 4 آلاف سائح خلال أسبوع    أبطال فيلم المشروع X يحتفلون بعرضه في الكويت.. اليوم وغدًا    جنايات القاهرة تقضي بالسجن المشدد 7 سنوات لرجل أعمال أنهى حياة زوجته بالتجمع الخامس    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    اليوم.. البابا تواضروس يترأس عشية رشامة 8 أساقفة جدد    الزمالك وفاركو.. استعداد أمني مشدد لتأمين مباراة الجولة الأخيرة من بطولة الدوري    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    رسوم ترامب والسباق الانتخابي الكوري الجنوبي: من يحسم المواجهة؟    الإفتاء تكشف كفارات الحج التي وضعها الشرع    جراديشار: شاركت في مباراة بيراميدز ولم أكن أعرف أسماء لاعبي الأهلي    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 31-5-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنها السياسة يا ذكي
نشر في نهضة مصر يوم 29 - 03 - 2006

عندما كان الرئيس بيل كلينتون مرشحا لأول مرة للمنافسة علي منصب الرئيس في مواجهة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، اختار مدير الحملة الانتخابية لكلينتون التركيز علي القضايا الاقتصادية مستفيدا من الوضع الاقتصادي السييء الذي كانت الولايات المتحدة تمر به في تلك المرحلة
وحتي لا يضيع الهدف عن أعين كلينتون المرشح قام مدير حملته بتعليق لافتة كبيرة في صدارة المكتب الرئيسي لمقر الحملة الانتخابية كتب عليها "إنه الاقتصاد يا غبي" حتي لا يغيب عن ذهن المرشح الرئاسي ولو لحظة جوهر الحملة التي يخوضها وأداته للفوز فيها. فاز كلينتون بفضل هذه الاستراتيجية الانتخابية وبفضل هذه اللافتة غير المهذبة التي رفعها له مدير حملته الانتخابية. وأظن أن بعضا من أولي الأمر لدينا في الحزب الوطني والحكومة بحاجة إلي من يذكرهم دائما بما هو جوهري في المشكلات التي يواجهونها، إنها السياسة يا أذكياء. فما من أزمة من تلك الأزمات التي تتعرض لها الحكومة أو أهل الحكم مؤخرا إلا وكان جوهرها سياسيا، فالسياسة هي جوهر الأزمة بين الحكومة ونواب الأغلبية من الحزب الوطني في مجلس الشعب، كما أنها في موقع القلب من أزمة بيع عمر أفندي وغرق العبارة وفرار مالكها للخارج، بل إن السياسة هي جوهر الأزمات التي تبدو نوعا من كوارث ونزلات القدر والطبيعة مثل أنفلونزا الدجاج وحمي المواشي القلاعية.
فجوهر الأزمة بين الحكومة والمجلس هو أن مجلس الشعب الذي يتقاتل علي عضويته المرشحون، لا يلعب سوي دور محدود في صنع السياسات و التشريعات، فليس المطلوب من النائب المصري أن يحضر جلسات مجلس الشعب بانتظام و أن يقرأ ما يعرض عليه بدقة، فيوافق أو لا يوافق عليه، و إنما المطلوب منه أن يكون حاضرا وقت التصويت لكي يدلي بصوته مساندا للحكومة. و من الطبيعي في وضع كهذا أن يشعر النائب أن الحكومة مدينة له مقابل تأييده لها، و بالطبع فإنه لا يريد من الحكومة أن توفي بدينها إزاءه من خلال تعديل في السياسات أو التشريعات، و هو الشيء الوحيد الذي تمتلكه الحكومة من الناحيتين القانونية و الدستورية، و لكن المطلوب هو مكافأة النائب بأساليب هي في أسوأ الأحوال غير مشروعة، وفي أحسن الأحوال نوع من التجاوز المحدود للنظام من أجل تمكين النائب من تحسين موقفه بين ناخبيه، عبر توفير بعض الوظائف والخدمات خارج الخطط الموضوعة سلفا. مشكلة حكومة الدكتور نظيف هي أن محاولتها الحد من هذه المكافآت من أجل ضبط الأداء العام والحد من عوامل الفوضي المنتشرة فيه، تمثل خرقا لعقد اجتماعي وسياسي ظل ساريا بين الحكومة و النواب لفترة طويلة ترجع إلي ما يزيد علي الخمسين عاما، تم خلالها اختزال دور المجالس المنتخبة للتصديق علي سياسات الحكومة. وبغض النظر عمن هو المسئول عن هذا الوضع فإنه كان علي الحكومة وهي تحاول التملص من العقد القديم أن تتفاوض حول شروط عقد جديد، وهذه هي المهمة السياسية التي أخفقت فيها الحكومة.
أما أزمات الدجاج والمواشي فهي في جوهرها أزمة ثقة، فالسنوات الطويلة من الإهمال والبيانات غير الصادقة والفساد وغياب الحكومة والحزب عن ساحة الفعل السياسي لم تسفر سوي عن أزمة ثقة عميقة بين المواطن والدولة، وبات رد الفعل الأول الذي يرد إلي ذهن المواطن عندما تصله أخبار جيدة مصدرها أجهزة الدولة هو عدم التصديق، وأن هذا مجرد كلام جرائد تريد به الحكومة "تسجيد الناس"، أما إذا كانت الأخبار سيئة أو يترتب عليها تحميل المواطنين تكلفة إضافية من أي نوع فإن رد الفعل الأول لدي المواطن هو اعتبار هذه الأخبار مجرد خدعة جديدة من الحكومة لاستنزاف أمواله، وأن هناك أحدا ما يقف وراء هذه السياسات الجديدة لتحقيق مكاسب غير مشروعة علي حساب المواطن البسيط، هكذا كان رد فعل المواطن عندما قررت الحكومة فرض استخدام حزام الأمان علي سائقي السيارات، وكذلك كان رد فعله لأنفلونزا الطيور، ففي الحالتين كان هناك من أصحاب المصالح من يقف وراء هذه الأخبار أو القرارات لتحقيق مكاسب إضافية غير مشروعة علي حساب البسطاء من الناس. ويرتفع مؤشر الاعتقاد بوجود مصالح خفية تقف وراء قرارات الحكومة عندما يكون الموضوع متعلقا ببيع ممتلكات عامة، سواء سمي هذا البيع خصخصة أو إدارة للأصول الحكومية. فالبيع باعتباره صفقة يثير في ذهن مواطن مشبع بكل الاتهامات والشكوك حول كل الصفقات، حتي أن الكلمة نفسها باتت سيئة السمعة في ثقافتنا السياسية، مع أن الحياة كلها بكل تفاصيلها هي عبارة عن مجموعة من الصفقات، أو لأن الصفقات هي من باب التجارة، وهي نشاط دنس يجب علي الحكومة أن تترفع عليه وتتجنبه وإلا اتهمت في شرفها وذمتها.
ربما كانت المفارقة هي أن حكومة الدكتور نظيف التي تواجه كل هذه الأزمات هي -في رأيي وبالمقارنة مع الحكومات التي تولت شئون البلاد طوال العقد الأخير- الحكومة صاحبة البرنامج الأكثر وضوحا والذي تحكمه فلسفة واضحة، كما أنها الحكومة التي تتبني أكثر برامج الإصلاح الاقتصادي والإداري طموحا بالمقارنة مع سابقاتها، أما من حيث الكفاءة، فإن حكومة الدكتور نظيف تعد أكثر حكومات العقد الأخير كفاءة، حتي وإن لم ينطبق هذا بالضرورة علي أداء كل وزير فيها. مشكلة حكومة الدكتور نظيف هي أنها تريد تطبيق برنامج جريء للإصلاح بنفس الأساليب البيروقراطية القديمة، وهي الأساليب التي لم تكن أبدا صالحة، والتي تراكمت أسباب عدم صلاحيتها بعد حالة الحراك السياسي التي شهدها المجتمع المصري خلال العامين الأخيرين، وبعد التوسع الذي شهدته حريات التعبير والصحافة. فالحكومات المصرية المتعاقبة طوال أكثر من عقدين من الزمان اعتادت تنفيذ السياسات التي تراها دون أن تبذل جهدا لإقناع المواطنين بجدوي هذه السياسات اعتمادا علي الصيغة العتيقة التي حكمت العلاقة بين البيروقراطية المهيمنة والمواطن المستسلم. غير أن حالة الحراك السياسي الذي شهدته مصر مؤخرا قد سبب تآكلا في آليات وأدوات السيطرة البيروقراطية وشجع الفئات الاجتماعية وجماعات المصالح والقوي السياسية المختلفة علي رفع مستوي مطالبها وضغوطها، ووجد في الحريات الصحفية منفذا وقناة فعالة للإعلان عن مطالبه والضغط علي أولي الأمر. حدث كل هذا في الوقت الذي كانت فيه حكومة الدكتور نظيف تحاول تطبيق برنامجها الإصلاحي الطموح، والذي تضمن ضمن ما تضمن تسريع الأخذ باقتصاد السوق والانفتاح علي النظام الاقتصادي العالمي وإصلاح نظام الدعم السلعي. ما لم تدركه الحكومة أن هناك فئات اجتماعية مستفيدة من تلك الأوضاع التي تريد تغييرها، وأن تهديد مصالح هذه الفئات لابد له أن يحفز رغبتها في مقاومة باتت بعض أدواتها متوافرة، وأن فئات اجتماعية أخري حتي لو لم تكن مستفيدة بشكل حقيقي من هذه البرامج، فإن لديها شكوك مبررة في أن حالها سوف يكون أفضل بعد تطبيق برامج وسياسات بديلة، كما أن هناك ثقافة سياسية سائدة تسيطر عليها عوامل عدم الثقة في الحكومة وأغنياء القطاع الخاص الذين تتعاون الحكومة معهم عن قرب، والذين زاد تمثيلهم في الحكومة الراهنة بشكل ملحوظ دون حساب التكلفة السياسية لذلك بشكل دقيق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.