اهتم الشارع التونسي بتصريحات وزير الشئون الدينية بوبكر الأخزوري الي احدي اليوميات التونسية حول الحجاب التي اثارت بدورها ردود فعل قوية علي مستوي الصحافة العربية. وهو ما جعل الصحف التونسية تسارع الي احتواء الموقف واستجلائه محاولة منها لتهدئة الأجواء خاصة مع تعدد الأبعاد التي اتخذتها هذه التصريحات.. وفي هذا الصدد، توجهت صحيفة الشروق اليومية بسؤالين إلي وزير الشئون الدينية سعي الوزير من خلالهما الي توضيح مفهوم الحجاب قائلا: يبدو اننا في حاجة فعلا الي تحديد المفهوم فالاطلاق قد يفضي الي الالتباس، والي الفهم الخاطيء ولا مشكلة في الاصطلاح لكن مع ذلك يجدر الافصاح عن المقصود في منظومتنا الفكرية وهو يتمثل في التأكيد علي انه الزي الذي قد يوحي بانتماء سياسي أو سياسي ايديولوجي بحيث يكون عنوانا أو رمزا حركيا معينا وهذا لا صلة له بالمفهوم العلوي الذي تجسده المجتمعات الاسلامية حسب تقاليدها وهنا يتبدي الفرق بين الثابت والمتحرك ويكون هذا الرمز خاصا وتبقي قدسية الحكم الشرعي فوق كل خلاف. ونحن من اشد الناس حرصا علي تطبيق الثوابت لكن وفق خصوصياتنا المجتمعية رافضين ركوب المقدس أو التستر به لنيل مآرب ليست من الدين في شيء ولا يمكن ان نغفل عن مرجعيتنا في هذا المضمار. واستقراء التاريخ البعيد والقريب يظهر افرازات هذه الطائفية واخطارها انها سبيل الي الصراعات المهددة لتوازن المجتمعات ولقدراتها علي تحقيق النماء والتقدم وما يستوجب ذلك من امن واستقرار وحرصنا علي التصدي لظواهر الطائفية ومظاهرها لا يعادله غير حرصنا علي التصدي لكل مظاهر التفسخ والانحلال والاستهانة بالقيم في اللباس أو القول أو السلوك وكل ذلك مقنن ولا مجال لتجزئة النصوص أو لتأويلها تأويلا مغرضا. والمستخلص من هذا، ان تعمد الخلط بين المفاهيم هو من آليات التحريف والعناد والقفز علي الكلام والحقائق. ولتفادي الخلط بين الممارسة السياسية ومقتضيات الشرع، قال الدكتور بوبكر الاخزوري: امتطاء الدين لبلوغ اغراض سياسية ضرب للدين والسياسة معا فالممارسة السياسية لها ضوابطها واعرافها الدستورية والقانونية والاخلاقية ولا مجال لاستعمال الدين للحصول علي مكاسب سياسية لأن الدين قد يكيف عندئذ حسب الميولات والاهواء. ولا يعني هذا اطلاقا ان الدين بمعزل عن حركة المجتمع ففي تونس نري الدين عقيدة وفكرا وحضارة تتولي شئونه الدولة وحدها، وتصونه القوانين واعلاها طبعا دستور البلاد وخطابنا الديني يكرس ثوابت الاسلام ويثبت قيمه بمنأي عن الاتجاهات السياسية فلا حق لأي اتجاه في ان يتجاوز الحدود القانونية بالاساءة الي الاسلام. واننا حريصون كل الحرص علي ابراز الصورة الحقيقية المشرفة للاسلام وعلي الاسهام في تحقيق ما ينشده المسلمون من تقدم حضاري وهذا لا يتأتي كما لا يخفي بالطائفية والتشرذم والخلاف المقيت. وفي هذا الاطار يتنزل حوارنا مع الآخر تلك هي الحداثة التي نسعي اليها وتلك هي المعادلة الصعبة بين الاصالة والمعاصرة. يذكر ان وزير الشئون الدينية كان قد اكد في حديث سابق مع صحيفة الصباح التونسية تراجع ظاهرة الحجاب في تونس معتبرا إياه زيا دخيلا "طائفيا" باعتبار انه يخرج من يرتديه عن الوتيرة، فهو نشاز وغير مألوف. وقد دعا الوزير الي التمسك بالزي التقليدي التونسي وقد قال في هذا الصدد: اننا نرفض الحجاب الطائفي ولباس الهركة البيضاء واللحية غير العادية التي تنبيء بانتماء معين، فنحن لدينا مقابل ذلك الجبة. اننا من الحداثيين ونرفض كل انغلاق، ومع الرئيس بن علي تمكنا والحمد لله من ارساء المعادلة الصعبة بين الاصالة والحداثة وبين الموروث ونتاج التفاعل مع الآخر.