شهدت الكويت انتقالا سلسا للحكم بعد رحيل اميرها الشيخ جابر الاحمد الصباح يوم الاحد الماضي عن 77 عاما، بتولي الامير الجديد سعد العبدالله السالم، فيما ينتظر ان يصبح رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الاحمد ولياً للعهد إلي جانب ترؤسه للحكومة، وهو ما كان يقوم به الامير سعد العبدالله وقت ان كان يجمع مابين رئاسة الحكومة وولاية العهد، وهو ما اثار كثيراً من المناقشات حول ضرورة الفصل بين المنصبين حتي يمكن مساءلة رئيس الوزراء دستوريا امام مجلس الأمة، فيما لا يجوز مساءلة ولي العهد. ولكن ظروف مرض الشيخ سعد قد تؤدي إلي العودة إلي خيار الجمع بين المنصبين، خاصة أن الشيخ صباح الاحمد ينظر إليه باعتباره رجل الحكم القوي وقد استطاع قيادة الدبلوماسية الكويتية اكثر من ربع قرن، وخلال هذه الفترة عزز من مكانة الكويت اقليميا وعربيا ودوليا، وخاض مع الامير الراحل واركان الحكم معركة تحرير الكويت وكانت تلك اصعب المعارك التي عاشتها الكويت طوال تاريخها حيث تم بناء تحالف سياسي عربي ودولي كبير توج بحرب تحرير الكويت الناجحة. واعقب هذه الحرب عملية اعادة بناء شاملة بعد التدمير الهائل الذي الم بمنشآت النفط وحقول التكرير التي تم احراقها ومعظم منشآت البني التحتية، لتعود الكويت إلي احتلال مكانتها كقوة اقتصادية كبيرة في المنطقة وواحدة من أهم الدول المصدرة للنفط، كما عادت إلي بناء استثماراتها الداخلية والخارجية من جديد. وكانت حرب العراق معركة اخري لم تكن بعيدة عن الكويت التي فتحت اراضيها امام قوات التحالف اذ أن أمن الكويت ظل مهددا ببقاء نظام صدام حسين وحانت الفرصة للانتقام منه والمساعدة في اسقاطه. وعلي الرغم من تباين وجهات النظر حول هذه المرحلة، فإن المنطقة تغيرت تماما في اعقاب سقوط نظام صدام واصبحت عملية الاصلاح السياسي مطلباً دولياً واقليمياً، وهو ما انعكس علي الاحوال السياسية في الكويت التي شهدت انتخابات برلمانية هي الاهم بعد حرب العراق اذ شاركت التيارات السياسية المختلفة في اقتسام مقاعد البرلمان الذي عاش الكثير من الاستجوابات الساخنة حول قضايا فساد وتسلح وكيفية استمرار عملية الاصلاح السياسي والتعليمي، كما تم تفكيك هيئات جمع الاموال والتبرعات التي كانت ترسل للمتطرفين الاسلاميين، الذين شكلوا تحديا للامن في الكويت وحدثت عدة معارك بين هؤلاء المتطرفين وقوات الأمن انتهت بانهاء تواجدهم النشط، وان ظل التيار الاسلامي المتطرف يعمل علنا ويشكل معارضة قوية للحكم. والقوي السياسية الموجودة في الكويت مؤهلة للتحول إلي احزاب سياسية، وهي تعمل حاليا كمنابر تمثل الاتجاهات السياسية الرئيسية، وان ظلت الغالبية مضمونة للتيار الاقرب للحكم. ويحسب للشيخ جابر اصراره علي اعطاء المرأة الكويتية حقوقها السياسية كاملة، وقد اصدر مرسوما اميريا بهذا الشأن. ولكن مجلس النواب رفضه، وعاد لمناقشة هذه القضية العام الماضي مما أثمر عن موافقة المجلس اخيرا وتعيين الوزيرة معصومة المرزوق في الحكومة تعبيرا عن المكانة السياسية والاجتماعية المتقدمة التي تتمتع بها المرأة في الكويت. وازاء مرض الشيخ جابر وولي عهده الشيخ سعد فإن قضية ترتيب الحكم في فرعي الاسرة (الصباح والسالم) احتلت مكانة كبيرة في النقاش السياسي، واذا كانت عملية نقل السلطة قد تمت بطريقة هادئة ومقبولة فإن تلك الترتيبات مرشحة لكثير من التطوير في الفترة القادمة من اجل ضمان استقرار الكويت بعد ان عبرت كثيراً من العواصف المرعبة وخرجت منها سالمة.