بإقدامها علي تحدي المراقبين الدوليين وإزالة الأختام عن المنشآت النووية يبدو أن إيران تغازل المواجهة وتبحث عن الصدام. لذا يحسن بالقادة الغربيين في هذه اللحظة أن يلتفتوا إلي الخطاب الناري للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ويأخذوا بعين الاعتبار الدور الخطر الذي يمكن أن تلعبه إيران في المنطقة، حيث سيترتب علي سياسة التصعيد تكلفة استراتيجية باهظة سواء بالنسبة للمصالح الأمريكية في المنطقة، أو بالنسبة للوحدة الترابية لإيران. ولا شك أن ما يحرك أحمدي نجاد ليس فقط المبادئ الأيديولوجية، بل هناك أيضا الرغبة في تعزيز قوة الجناح الأمني في طهران. لكن يبدو أن الرئيس الإيراني يتصرف أيضا بناء علي تصور راسخ لديه بأن الولاياتالمتحدة تمر بمرحلة ضعف غير مسبوقة في المنطقة. فمن ناحية ينتشر الجيش الأمريكي علي رقعة جغرافية شاسعة تمتد من العراق إلي أفغانستان، ومن ناحية أخري أضاعت الولاياتالمتحدة الكثير من الوقت والجهد في التركيز علي البرنامج النووي لكوريا الشمالية علي حساب الملف النووي الإيراني. وإذا ما واصل الغرب عموما والولاياتالمتحدة تحديدا توجيه التهديدات للنظام الإيراني واستشعر هذا الأخير اقتراب عملية عسكرية ضده، فإن إيران ستحرك أوراقها في أفغانستان والعراق ولبنان وإسرائيل وستعمل علي قلب الطاولة في وجه المصالح الأمريكية في تلك البلدان. بيد أن القراءة المتفائلة لقوة إيران يمكن أن تقود أحمدي نجاد إلي تقييم مبالغ فيه للقدرات الإيرانية. فالواقع يشير إلي أن إيران تعرف العديد من المشاكل الداخلية التي تجعلها أكثر ضعفاً مما يتصور البعض، حيث الاقتصاد في أسوأ حالاته ومعدل البطالة وصل إلي عنان السماء، فضلاً عن النقمة الشعبية، والمعدلات المرتفعة للإدمان علي المخدرات وهجرة الأدمغة. ويعتمد أحمدي نجاد أيضاً علي نقاط القوة التي يمتلكها بدءا من الأحزاب الشيعية الموالية لإيران في العراق والتي أضحت القوة السياسية الضاربة هناك، وانتهاء بقناعة الرئيس الإيراني بعدم استعداد الشعب الأمريكي الترخيص لحرب أخري في منطقة الشرق الأوسط. والأكثر من ذلك يدرك الرئيس الإيراني جيداً أنه حتي لو تمت إحالة الملف النووي الإيراني إلي مجلس الأمن الدولي، فإنه من غير المرجح أن يتم التصويت بالإجماع علي فرض عقوبات دولية علي الجمهورية الإسلامية، لأن ذلك سيواجه بالرفض من قبل الصين وروسيا. فإيران التي استفادت مؤخرا من العائدات النفطية أصبحت المقتني الأول للتكنولوجيا العسكرية الروسية، حيث اشترت ما قيمته مليار دولار من الأسلحة المتطورة من موسكو بعدما وافقت هذه الأخيرة علي عقد صفقة مع طهران. أما الصين التي أصبحت من كبار مستهلكي الطاقة في العالم، فقد بدأت تنظر إلي إيران كمزود رئيسي للنفط بصرف النظر عن التحفظات الأمريكية. وفي ظل هذه الصورة الاستراتيجية المواتية لإيران ليس مستبعدا أن يرحب أحمدي نجاد بهجوم أمريكي أو إسرائيلي ويعتبره فرصته السانحة كي يرد بقسوة ضد المصالح الأمريكية في المنطقة عبر تعبئة الحلفاء الشيعة في العراق ضد الولاياتالمتحدة، وتحريك الحركات الشيعية في البلدان الخليجية ولبنان. ولربما تحالفت طهران مع بعض خصومها السُنة الذين قد يلتفون حولها من أجل محاربة العدو المشترك. وفي غضون ذلك سيستخدم الجناح المتشدد في النظام الإيراني تداعيات الحرب وضروراتها كي يهمش الخصوم السياسيين في الداخل ويسحق ما تبقي من المجتمع المدني الإيراني. بيد أن النظام الإيراني لا يخلو من نقاط ضعف، وواشنطن تعرف ذلك جيداً. فكما أن إيران تستطيع اللعب بورقة الشيعة لإثارة الاضطرابات في المنطقة، يمكن أيضا للولايات المتحدة أن تستغل التوترات الإثنية والطائفية في إيران التي تتواجد بها أقلية سنية واسعة، خصوصاً في المناطق الحدودية. فإيران تعج بالأقليات الإثنية والدينية التي تعتبر نفسها ضحية التمييز وعدم الاندماج في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية للمجتمع الإيراني. وفي هذا السياق يعيش حوالي مليوني عربي ناقمين علي الوضع في محافظة خوزستان الغنية بالنفط والغاز، حيث يمكن للولايات المتحدة أن تخلق متاعب جمة لإيران عبر دعمها وتمويلها للانفصاليين العرب. وبالإضافة إلي الأقلية العربية في إيران هناك مجموعات أخري يمكن استخدامها من قبل واشنطن لزعزعة الاستقرار في طهران مثل الأكراد والبلوش.