الولايات المتحدة، في انتظار خلوّ مقعد بطل قومي لا ينقلب علي تراثه المدلّون والطفيليون والهوام، الذين ينتظرون هذه الساعة، ليدخلوا هافانا علي ظهر حاملات الطائرات الأمريكية. وذلك، لأن غيفارا، فيما يبدو، بعد أن تحوّل بفعل آليات معقّدة الي أسطورة، لم تعد تنطبق عليه قواعد منطق الواقع الموضوعي المتغير أبداً. بل لم يعد ينطبق عليه المنطق نفسه. وربما كان اختبار هذه الحقيقة هو فيلم "راكب الدراجة البخارية" الذي تناول حقبة حاسمة من حياة غيفارا، علي أثر تخرجه من كلية الطب وقيامه برحلة، علي دراجة بخارية في رفقة طبيب صديق، تعرّف فيها علي مدي بؤس الطبقات الفقيرة في أمريكا اللاتينية. ولا أغالي إذا قلت إن آثار هذه الرحلة كانت من القوة بحيث أيقظت وعي الطبيب الشاب برسالة، لم تدر بخلده من قبل، عندما كان لا يزال يعيش في كنف وبحبوحة أسرته المتيسرة، تتلخّص، كما بدت له في منطقة الأمازون، خصوصاً في مستعمرة مرضي الجذام، عن تخفيف آلام الإنسان جسدياً ونفسياً وتحريره من ربقة الخوف. فقد أدي نجاح هذا الفيلم الي مسح الغبار عن صورة غيفارا، وربما عرّف به الأجيال التي توالت بعد وفاته ونشأت في عالم لا يعرف هذا النوع من الأبطال، عالم أبطاله نجوم التليفزيون وأشرار السينما الهوليوودية والشعوب المغلوبة علي أمرها، عالم أبطاله من مخلوقات تكنولوجيا التخليق الحركي، ومنشدي الراب. وقد عادت، أثناء عرض الفيلم وبعد نجاحه واستمرت حتي الآن، صورة غيفارا الأيقونية، لتتربع قمصان ال "تي شيرت" وأغلفة المجلات والكتب والبوسترات إلخ. وحتي لا يتحول إحياء أسطورة غيفارا عرضاً موقوتاً، أو صرعة يمكن أن تلغيها صرعة أخري، وضع المركز الدولي للفوتوغرافيا، في نيويورك، ختمه علي الأيقونة آذناً لها بأن تدخل بانتيون الأيقونات التاريخية. يقال أن بورتريه تشي غيفارا الصورة الفوتوغرافية الشهيرة "الثائر البطولي" Guerrillero Heroico التي التقطها المصور الكوبي ألبرتو كوردا في 1960 أوسع الصور الفوتوغرافية إنتاجاً في تاريخ الفوتوغرافيا. وقد أثبت البورتريه موضوع معرض مركز الفوتوغرافيا قدرة فائقة علي البقاء كمركز للثورة والتمرّد الشبابي، حتي علي الرغم من انتشار استنساخه بلا نهاية علي البوسترات، وقمصان ال "تي شيرت"، وغيرها من الأشياء التي تُنتج علي نطاق واسع. ويتناول المعرض قوة هذه الصورة غير العادية وتاريخ انتشارها. ويستّمر المعرض الذي افتتح يوم 9 ديسمبر حتي 26 فبراير 2006. إن صورة غيفارا كوردا، في غلاف ألبوم المغنية مادونا "حياة أمريكية" أو في الورقة النقدية "خمسة دولارات أمريكية" للفنان بيدرو مائير، حيث طبعت صورة غيفارا في مكان ابراهام لينكولن، تمثل الشعبية والثقافة المضادة. وهي، صورة تشي، تستخدم اليوم في آن واحد ككاريكاتير ومحاكاة تهكمية، وصيحة استنفار لحركات ومفاهيم متفاوتة مثل تخفيف الدين العالمي، ومناهضة النزعة الأمريكية (أمريكانيزم)، والهوية الأمريكية اللاتينية وحقوق الشعوب الأصلية. ويتضمن المعرض الذي نظمه تريشازيف، الكيوريتور المكسيكي أعمالاً لفنانين ينتمون الي جنسيات مختلفة من بينهم فيك مونيز (الولاياتالمتحدة البرازيل)، وبيدرو مائير (المكسيك) ومارتن بار (إنجلترا)، وبوسترات أصلية معارة من مركز دراسة الأعمال الغرافيكية السياسية في لوس انجلوس، والمشغولات الفنية وتذكارات غيفارا. وتسجل هذه الصور تاريخ نشوء فوتوغرافي كوردا من بداية تصويرها الي استعمالاتها المعاصرة الحالية. البرتو كوردا لقد التقط بورتريه ارنستو تشي غيفارا يوم 5 مارس 1960، بواسطة البرتو دياز غوتييريز (1928 2001) الذي عرف باسم البرتو كوردا، مصور عروض الأزياء السابق الذي أصبح مصوراً شخصياً لفيدل كاسترو، وقد التقط كوردا لقطتين لغيفارا بينما كان يخطو نحو منصة احتفال تذكاري خلال جنازة جماعية لأولئك الذين قتلوا عندما انفجرت فرقاطة فرنسية تحمل ذخيرة في ميناء هافانا. وقد ذكر المصور أنه استمد إلهامه من حدة تعبير تشي الذي وصفه بأنه كان يجمع بين الغضب والحزن. وفي الصورة الأصلية يقف تشي بين رجل وسعفات نخيل، لكن كوردا عزل تشي في عملية الطباعة وبذلك ولدت الصورة الأيقونية لنظرته المصممة. إن ما حدث للصورة منذ لحظة التقاطها حتي حياتها الراهنة كواحدة من أشهر الصور في الثقافة الشعبية العالمية، كما يشير مركز الفوتوغرافيا/ حكاية معقدة ذات روايات متحاربة، فالصورة التي كانت مجهولة بشكل عام حتي استنسخت في إيطاليا لحظة وفاة غيفارا، انتشرت علي أثر ذلك من المشهد العالمي كأيقونة ترمز الي انتفاضات الطلاب في 1968. وقد ظهرت في بوسترات ولوحات جدارية واستعملت في العديد من الاحتجاجات والتظاهرات أثناء السنوات اللاحقة. ومنذ ذلك الحين اتخذت صورة تشي كوردا حياة خاصة بها. "ومن ثم، تعلن معتقدات غيفارا المعقدة في الغالب عن طريق رمزية صورته الثورية النوعية. لذلك، يستمر "الثائر البطولي" في الظهر فيما حول العالم كرمز يمكن التعرف عليه بسهولة لنطاق من النضالات البطولية". وفي الوقت نفسه، أصبح "الثائر البطولي" ظاهرة معاصرة فريدة. وبعد 45 سنة منذ خلقها، وبينما تحتفظ بقوتها كرمز للثورة، اندمجت في عالم الثورة الشعبية، والموضة، والنجومية. وسواء قدمت كعمل فني معقد، أو استعملت كشخصية "شيك" راديكالية في سلعة تجارية، أو موضوع تهكمي، يمكن التعرف عليها مباشرة". وقد شارك في تنظيم معرض "تشي! الثورة والتجارة، الي جانب الكيوريتر المستقل تريشازيف، متحف الفوتوغرافيا بجامعة كاليفورنيا، ومركز دراسة الجرافيك السياسي، بلوس أنجلوس/ ومركز ايماجن/ مدينة المكسيك وزونيزيرو. كوم، والمؤسسة الانجلو مكسيكية. ومن المقرر أن ينتقل المعرض من نيويورك الي متحف فيكتوريا آند البرت في لندن في 2006، وسوف يصدر المتحف كتاباً ليصاحب المعرض. عن إيلاف