عندما فجأة وعلي حين غفلة من أهله ينقلب حال البني آدم ويتسلَّف، حتمًا سينقلب أهله وأصدقاؤه وكل معارفه في أحد اتجاهين متنافرين متناقرين: الانبهار والتشيع المطلق له، أو السخط والتحفز. فيسبغ الفريق الأول عليه قداسة، ويصب الفريق الثاني عليه لعناته، ولا تلم أحدًا؛ لأنه هو بنفسه اختار الحارة السد.. طريق ال one way؛ متوهمًا أن تطويل اللحية وتقصير الجلابية مؤهلاته لدخول الجنة. أعلم أنكم تزغرون لي بأعينكم مرتابين من أمري، وبعضكم يقول: هيخبَّط في الإسلام ولا إيه! وهذه هي مصيبة المصائب عندما يكون انتقادنا لأشخاص مهما كانوا هو انتقاد لدين الله والعياذ بالله. وكأنه حصري عليهم دون باقي خلق الله، فاحتكروه لأنفسهم، أو أصبحوا هم الدين نفسه.. ورضي الله عن أمير المؤمنين الذي قال: الحمد الله الذي جعل في رعيتي من يقوِّمني (يعني يعدلني) بحد السيف. وقد يقول البعض: ما تهاجم يا أخي الفساد والانحلال في المجتمع بدل ما تهاجم ناس بتوع ربنا. لا طبعًا؛ لأن هؤلاء القوم يرون أنفسهم الفئة الناجية والفئة المُخلِصة المُخلِّصة والمخلَّصة، فمن حقي بل والأَوْلَي أن أنتقدهم، مثلما هم من حقهم أن ينتقدونا ويهاجمونا ليل نهار. وكما ذكرت وأذكر وسأذكر علي طول فإن هناك حرية شخصية مطلقة، ولكنها محدودة ومحددة في الذات، وتنتهي عند حدود الغير.. حيث إن هذه منطقة ممنوع الاقتراب منها. المتسلف يرتدي ما يشاء، ويطلق لحيته حتي لو طالت قدمه، هو حر في حياته، لكنه ليس حرًّا في حياة الغير؛ حيث إن هذه منطقة ممنوع الاقتراب منها. ولأن المتسلفين يتجاوزون هذه الحدود من باب الوصاية علي الشعب؛ كان لا بد أن أتعرض لهم، سواء رضوا (ومؤكد لن يحدث)، أم غضبوا، وفي الحالين لن يفرق معي. من البديهيات الإعلامية أن جماعة الإخوان المحظورة المحشورة المحسورة المحصورة دائمًا خطر علي الدولة، وأنا بقي أري العكس؛ لأنهم في حقيقتهم أصحاب بيزنس تحركهم المصالح الشخصية وتوجههم التوازنات الاعتبارية، ولكن الأخطر هم هؤلاء المتسلفون، ولا أقصد طبعًا أخطر علي الدولة؛ لأن مصر قوية قوية رغم كل المؤامرات والألاعيب من حشرات ودود الأرض.. أمنا مصر تستوعب كل الملل والأدمغة، ولكن الخطر الذي أقصده علي البسطاء الذين يبهرهم المظهر الإسلامي الخداع وحفظ الكام ألف حديث وإطالة الصلاة بشكل يطلّع الروح (من الآخر واخدين الدين والتدين بالصدر).. هؤلاء خطرهم في أن البعض ينخدع فيهم، ويتخيل أن بينهم وبين الصحابة خطًّا مباشرًا؛ لأنهم أتباع السلف وأهل السنة والجماعة ونحن طبعًا أهل بدعة.. وهي أخف كلمة يمكن أن يحكموا بها علينا. فهل هؤلاء البني آدمين هم فعلاً أهل سلف ومن جيل الصحابة? هل كلهم علي بعضهم واحد علي مليون من أي صحابي?! تعالوا نجرب بعض المقارنات في الأمور البسيطة ونشوف: الصحابة مثلاً يأخذون أنفسهم بالشدة، ويفتون للأمة بأخف الأحكام، فهل هؤلاء البشر يمكن أن يفتوا بدون أن يحرّموا العيشة واللي عايشينها?! الصحابة يحترمون اختلاف الآراء، فهل هؤلاء البشر لديهم خرم أفق لأي رأي مخالف لرأيهم?! من جهتي سمعت"عيل" من أتباعهم يقول ذات مرة: الإمام الشافعي رأيه غلط في المسألة دي! تخيلوا.. تصوروا.. لماذا يا عمي الجهبذ?! لأنه لم يصله حديث يقول كذا وكذا، فأفتي بهذا الرأي الخطأ!! والمصيبة الكبري والطامة والكارثة والخيبة والويبة أنهم يبررون تعصبهم الأعمي بجملة تشلّ:"نأخذ بالأحوط"! كما يقهرون المرأة بجملة أشلّ:"مخافة الفتنة"! وهاتان الجملتان مطاطيتان يندرج تحتهما كل شيء. وسؤال واحد أخير: هل كان الصحابة يمرُّون علي خلق الله بوجه عبوس متجهم، مقطبين جبينهم كأنه آتون من جهنم وبئس المصير، ويريدون أن يضربوك بالخف لأنك حليق الذقن كافر وملعون? وهذه الفتاوي ما زال المتسلفون يؤمنون بها. الحق أن هؤلاء البشر لم يأخذوا من السلف إلا أخلاق الأعراب: الفظاظة.. الغلظة.. الحدة.. الشدة.. الجفوة.. العنف اللفظي والسلوكي.. وتحجير القلوب. ولكي تتأكدوا من كلامي؛ تعالوا ننتقل من النظري إلي العملي.. تعالوا أحكي لكم بعض الأمور التي حضرتها مع بعض هؤلاء المتسلفين، وما أكثرها! امرأة متزوجة ذهبت إلي عالم أزهري كبير (سلفي له مريدوه الذين يأتون خصيصًا لمسجده لصلاة قيام رمضان معه)، وقالت له: جوزي يا شيخ قال لي لو ما خلعتيش النقاب تبقي طالق. فأفتي الشيخ المحترم بكلمة قاطعة جافة: النقاب فرض. والحمد لله أن بعض العقلاء أقنعوا الزوج بأن يرد زوجته أم عياله بعد أن طلقها طبعًا. واحد آخر أكثر احترامًا قال ذات يوم في لحظة انشكاح: ربنا سخر لنا الأمريكان والأوربيين.. خلقهم عشان يصنعوا لنا أجهزة ويعملوا حضارة، وخلقنا عشان نعبده!! أحد أصدقائنا ذهب للعمل في قناة من التي صنعها الله والتي تدخلك الجنة، ولما قابل الشيخ فلان المذهل المهووس به آلاف البشر، قال له: العمل تطوعي.. الأجر والثواب عند الله.. أنا باقول كده عشان أبرئ ذمتي من الله. وسألني الصديق: ماذا أفعل? قلت له: تنطّ في كرشه.. هذا الشيخ مثل واحد جارنا من أصحاب الذقون أكل فلوس علي، وكان مصراً علي أن أسامحه عشان يأكلني بالحلال! لماذا مطلوب ممن يعمل لدينه أن يكون معدمًا بينما هم يغرفون الأموال غرفًا?! وأبدلوا بسلوكياتهم حديث"القابض علي دينه" إلي القابض علي الفلوس.. ليت هذا الشيخ مد يدهفي سيالته) أو أعطاه مبلغاً سلفاً يمشِّي بيه حاله، لكن يبدو أنه مؤمن بالمثل القائل:"السلف تلف"؛ لذا فإن الرد عليه خسارة.