نبض الشارع القصبي الاعلام الناجح هو الذي تدرك أطرافه.. المسئول والصحفي والمواطن أنهم ورجل الشارع في مركب واحد!.. وانقاذ المركب من الغرق في حاجة الي أن يتوافر في الجميع.. المسئول والصحفي والمواطن.. وليس المسئول وحده.. الوعي والشفافية. تباغتني زوجتي: لو أحد آخرغيرك هل كانوا سيهتمون?! نقلت سؤالها الي زميلي الصحفي.. وقلت له: ماذا لو عاني مواطن عادي تتقطع به سبل الاتصال بالوزير مما أعاني.. كلما فتح صنبور المياه فوجيء ب "سوبيا " تتدفق منه?.. فقال لي بهدوء: عليه الاتصال برقم 125 قلت: وهل سيهتمون? قال: نعم.. مكالمات الخط الساخن مراقبة.. لمعرفة ان كان الموظف المسئول قام بواجبه تجاه شكاوي المواطنين أم لا! ويحكي زميلي الصحفي: قريبة لي شعرت بأن مذاق المياه ليس طبيعيا فاتصلت بالرقم وعلي الفور جاء فنيون من المختبر وأخضعوا مياه الصنبور للتحليل! شعرت بالاطمئنان.. هذا الذي قاله لي زميلي الصحفي أعادني الي المربع واحد.. أعني لقاء المهندس أحمد المغربي وزير الاسكان بالمثقفين في محكي القلعة.. وذلك الحوار الذي دار بيننا.. وما كان هدفي أبدا أن أثير مشكلة شخصية أو أوجه اتهاما له أو وزارته بالتآمر علي صحة المصريين.. لكن شيئا لفت انتباهي خلال رد الوزير علي سؤال لكاتبنا الكبير محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب حول الفلسفة التي تتكيء عليها خطط الوزارة.. لقد أفاض وبلغة الأرقام في حديثه عن الانجازات التي تحققت في مجال المياه " وهي بالفعل انجازات توقفت أمامها بانبهار.. فخلال أربع سنوات ارتفعت انتاجية الوزارة من المياه العذبة من 20 مليون متر مكعب إلي 30مليوناً.. أي أن الزيادة التي تحققت خلال أربع سنوات تعادل نصف ما أنجز عبر تاريخنا كله..! معلومة أصابتني ليس بالدهشة.. بل بالانبهار.. حتي لو كان الدافع ثورة العطاشي والتي بدأت بقطع أهالي بعض قري محافظة كفر الشيخ الطريق الدولي بسبب انقطاع المياه عن منازلهم..! لايهم الدافع الآن.. المهم أن لدينا مسئولين علي قدر كبير من الاحساس بالمسئولية تحركوا وأنجزوا ما لايمكن انجازه في أي جغرافية أخري أو تاريخ آخر.. لكن ما شد انتباهي استخدام المهندس أحمد المغربي وبشكل عفوي عبارة "مياه الشرب".. العبارة جاءت علي لسانه مرارا وهو يتحدث عن تطوير هذا القطاع.. وهذا ما دفعني الي أن أسأله: معالي الوزير.. هل هذا الذي تتحدث عنه بالفعل مياه شرب..? وما كان مقصدي أبدا توجيه اتهام للوزير أو وزارته بالتقصير أو التآمر علي صحة الشعب المصري.. لكن دواخلي.. مثل دواخل أي مواطن مصري تنضح بالهواجس حول سلامة تلك المياه التي نشربها.. وما يقال عن اختلاطها بمياه الصرف الصحي أوالمخلفات الصناعية أو المواد الكيميائية المستخدمة في الزراعة كالمبيدات والأسمدة وغير ذلك من الأسباب التي تجعلها طبقا لما يشاع غير صالحة للاستخدام الآدمي.. بل وأنا أوجه سؤالي لوزير الاسكان كان يخايل الذهن هذا السائل الأبيض الذي يسيل من صنابير شقتي. حتي أنني حين سألت بواب العمارة عن أحوال المياه لديه.. فقال " سوبيا " تنزل من الحنفية.. مما أصابني بالانزعاج.. خوفا من أن تكون مادة الكلور.. يضيفونها بغير حساب! وما كان هدفي أيضا أن أختزل الحوار في مسائل شخصية.. لكنني فوجئت بمعاليه يبدي اهتماما كبير ا بما قلت.. وأكثر من مسئول بالوزارة يهاتفني في صباح اليوم التالي للاستفسار عن مشكلة المياه في العمارة وعنوانها.. والوقت المناسب لزيارتي.. مما دفع زوجتي الي أن تسأل: لو كان آخر لايعرف كيفية الوصول للوزير هل كانوا سيهتمون بمشكلته.. قلت لها: نعم سيهتمون..! وحكيت لها ما قاله زميلي عن تجربة قريبته! فسألت في تعجب: هذا يحدث في مصر! قلت لها: نعم.. السنوات الأخيرة شهدت شيئا ما.. يمكن أن نسميه افاقة أو مبادرة مصالحة من قبل الحكومة تجاه الشعب..! فقالت في محاولة للتفسير: ربما خوف النظام بعد أن شعر بأن الأمور في الشارع بلغت مستوي من التأزم لا يمكن السكوت عليه.. من أزمة المياه الي أزمة الخبز الي أزمة البنزين الي أزمة الكهرباء.. الي أزمة المواصلات! ناهيك عن مستنقع الفساد الذي نعيش فيه!.. وزوجتي مدمنة برامج توك شو.. لكن هذه البرامج خاصة في الفضائيات " المستقلة " ليست وحدها المسئولة عن زرع هذا اليقين تحت جلد زوجتي أننا مجتمع مأزوم وفاسد.. بل مانعانيه نحن أيضا وجيراننا وأقاربنا من أزمات علي مدار الساعة.. لكن الفارق بيننا أنها تري أن كل الفساد في مصر خطوط انتاجه مدموغة بخاتم النسر.. وهذا ما تلقنته من التوك شو.. في الوقت الذي أري فيه أن مصانع الفساد موجودة في الشارع بنفس القدر المتفشية به في دهاليز الحكومة.. وهذه مشكلة الاعلام الخاص.. قرون استشعاره لاتلتقط الا روائح الفساد.. فقط الحكومي.. لذا يتجاهل أي نقطة ضوء تصدر من مكاتب المسئولين.. وليس الهدف من تسليط الضوء هو تمجيد النظام ورجاله.. ليس هذا هو الهدف.. رغم أنه من حق المسئول ان أحسن أن نقول له شكرا.. الهدف كما فهمت من الوزيرالمغربي أن الحد الأقصي من انتاجية الحكومة.. ومهما اتسمت بالطهارة والجودة فلن تكفي لحل مشاكلنا المتراكمة.. نموذج.. مشكلة الاسكان.. الوزير يتحدث برضا عن انجازات وزارته في مجال الاسكان.. خلال السنوات الخمس الأخيرة ارتفعت انتاجية الحكومة من 30 ألف وحدة سكنية سنويا في مجال الاسكان الاجتماعي الي ما يقرب من 85 ألف وحدة وذلك تنفيذا لبرنامج الرئيس الانتخابي.. طفرة جديرة بالاشادة.. لكن هل هذا يكفي?.. الوزير يقول نحن في حاجة الي حوالي 350 ألف وحدة سنويا.. فكيف نسد هذه الفجوة? الوزير يقول من خلال تشجيع المستثمر الصغير للعودة بقوة الي سوق العقارات.. أليس هذا في حاجة الي دعم من الاعلام.. ليس فقط نقل سياسات وتوجهات الحكومة للشارع.. بل اخضاعها للمناقشة.. حوار يشارك فيه المسئول والكاتب والمواطن والمجتمع المدني.. سينتهي حتما الي رؤي بناءة..! ووزير الاسكان كما فهمت من حديثه لديه شعور بأن وزارته لم تهتم بما يكفي بالجانب الاعلامي.. وهذا ما لاحظته خلال زيارتي الأخيرة لقريتي.. المعصرة مركز بلقاس.. وهي قرية بائسة.. حظها من كعكة الحكومة قليل للغاية.. وهذا ما سأعود اليه في مقال لاحق.. الحكومة لأسباب غامضة تذكرت قريتي فجأة وقررت أن تقيم بها مشروعا للصرف الصحي.. وأظنه زهوة المشاريع الخدمية في القرية.. ومثار بهجة أهلها.. وأنجز المشروع.. وبدأ يعمل حتي قبل تسليمه من قبل المقاول.. لكن فجأة تعرض لوعكة فطفحت مياه المجاري في الشوارع.. بدأ الناس يصبون لعناتهم علي الحكومة.. وزارة الاسكان ووزيرها والهيئة القوميةورئيسها.. وبدأت مثلهم أصب غضبي علي الجميع.. خاصة بعد أن حاولت الاتصال باللواء أحمد عابدين رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالدقهلية وتركت له رسالة علي المحمول ولم يهتم.. فهاتفت المهندس محمد البدراوي مدير ادارة تنفيذ مشروعات شمال الدقهلية.. ففاجأني بالرد دون أن يعرفني.. وبدا مهموما بالمشكلة الذي تسبب فيها مقاول الرصف.. فحين قررت الحكومة اعادة رصف الطريق من مدينة بلقاس الي مدينة الجرايدة مرورا بقرية المعصرة.. جاءت بلدوزورات المقاول لتكسر وتدمر.. وكان الضحية مشروع الصرف الصحي..! وتقوم الهيئةحاليا باصلاح ما أفسده المقاول.. وسوف يستغرق الأمر 20 يوما لكن مثل هذه المعلومات غائبة تماما عن أهل القرية.. وهذا تقصير من الهيئة ومن المجلس المحلي.. ومن رجال الحزب المشغولين حاليا بتعليق لافتات الانتخابات وحضور الأفراح والمآتم..! تدفق المعلومات الصادقة من مكتب المسئول الي رجل الشارع مهم للغاية ليعرف المواطن ماذا يجري وما هو دوره..! أمر مثل هذا كان في حاجة الي زيارة من أي مسئول بالهيئة للمجلس المحلي وشرح أسباب المشكلة وخطة معالجتها والفترة الزمنية التي ستستغرقها.. والمشكلة أن اهتمام الوزارات بالاعلام يزنزن عادة في تلك الصورة التقليدية.. بيان صحفي من صفحتين يصاغ من قبل مسئولي الاعلام بالوزارة.. تحتشد صفحته الأولي ونصف صفحته الثانية بأسماء كبار مسئولي الوزارة وصغارها.. يدس في يد مندوب الجريدة أو يرسل له بالفاكس لينشر كما هو.. في هذه الحالة المحرر لن يكون مندوب جريدة بل مندوب بريد!.. وكما نعلم فالاعلام الناجح هو الذي يدرك طرفاه.. المسئول والصحفي أنهما ورجل الشارع في مركب واحد!.. وبالطبع انقاذ المركب من الغرق في حاجة الي أن يتوافر في كل الأطراف.. المسئول والصحفي والمواطن.. وليس المسئول وحده.. الوعي والشفافية..! kasapi2005*yahoo.com