الهدايا ترجمة محببة للشعور والإحساس، وهي في كل علاقة تربط بين الإنسان وأحبابه، كيف يكون استقبالك لهدية، بعث بها إليك صديق عزيز، في مناسبة سعيدة عندك لاشك أنك تتلقي هديته بمعني من معاني الود والمحبة لما قد لمسته في قلب صديقك من ود وخالص الوفاء. ومن أقدم الهدايا الهدية التي قدمتها بلقيس ملكة سبأ إلي سيدنا سليمان عليه السلام، فقد خشيت أن يغزوها سليمان، ويضم ملكها إلي ملكه العتيق، فرأت بعد استشارة قومها أن ترسل إليه بهدية قيمة لعل فيها ما يصرفه عن محاربتها، وقالت إني مرسلة إلي سليمان بهدية فإن كان من طلاب الدنيا قنع بها ورجع عنها، وإن رفضها فهو صاحب مبدأ لا ينثني عنه، وعند ذلك نذهب إليه مسلمين قبل أن يأخذنا أسري، وأعدت الهدية من الذهب واللآلئ النفيسة، وبعثت بالهدية مع رجال من أشراف قومها ولما أقبلوا علي سليمان، أحسن استقبالهم ولكنه رد الهدية، فعادوا إلي ملكتهم وأخبروها بما رأوا، فقالت إنه لنبي حقا، ومالنا به طاقة، وأقبلت عليه مع قومها مسلمين. وتعد الهدايا من طليعة ما يزدان به السلوك الاجتماعي لبني الإنسان، ولذلك كانت من معالم الحياة الراقية ومن ظواهر المجتمعات التي يزداد تقدمها من فهم الحياة الإنسانية، وما يميز جوانبها من تداول الضعفاء، وتبادل المحبة والولاء. هدية الأب الذي يدخل بيته، وقد حملت يداه مجموعة من الهدايا لأولاده يحتفون بها ويتهيأون لها وتقضي الأسرة ليلتها في سعادة شاملة يتلقون فيها عطف الأبوة الكريمة وأنس النبوة الشاكرة. الزوج الحصيف الحكيم الذي يلتمس إحدي المناسبات السعيدة ليدخل السرور إلي زوجته الوفية وهي تنوء بحمل ثقيل من إدارة البيت وتربية الأولاد فيعبر لها عن تقديره واحترامه لها، فتري زوجته هذا الإهداء تكريماً لها وترفيهاً عنها، وتبديداً لما يثقلها من متاعب الحياة وآلامها فتجد نفسها، وتزداد لبيتها حباً، ولزوجها وفاء، وتقبل علي حياتها راضية مبتسمة سعيدة. فإذا تجاوزنا محيط الأسرة إلي حياة الأصدقاء، رأينا الهدايا بينهم خير رمز لما يربط قلوبهم من صادق المحبة وخالص الود. وأيضاً في المجالات الأخري تعمل الفرق الرياضية علي استضافة نظائرها من دولة صديقة وتتهادي الدولتان بأيدي رؤساء الفرق كئوساً أو أعلاماً تذكارية، فيكون لها أثر بليغ في توطيد العلاقات الدولية. وكثيراً ما يقوم رؤساء الدول أو كبار رجالها بزيارات لدول حليفة فتحتفي بهم وتكرم حضورهم وتقدم لهم في هذه المناسبة هدايا رمزية تنطوي علي معني كريم. واختيار الهدية أمر سهل ولكنه فن دقيق يعجز ويحير في كثير من الأحيان، لأن انتقاءك لهدية دليل علي لباقتك وامتحان دقيق لذوقك. تذكر في أقرب مناسبة أن تهدي أبناءك وزوجتك وأصدقاءك لتبقي العلاقة الطيبة وأن تكون هدايا مخلصة لا زيف ولا رياء ولانفاق ولا قصد لشيء غير مباح وكم تكون الحياة مملة ثقيلة لو خلت من ظاهرة التعاطف والود وكيف تتصور حياة الأسرة والجماعات لو مرت الأيام علي نظام رتيب، ولا تزينها مناسبات مشرقة فتتبدد غيوم الأيام وأكدارها وتقبل النفس علي غايتها سعيدة مستبشرة تحقيقاً لما جاء في الأثر (تهادوا تحابوا) ولو بوردة.