جرح بقلب العراق دام مغرق وتمزق وتفرق والموت كالأمواج فيها دافق، وتساقط الأطفال لينزف جرحهم والنساء تستغيث وتحرق. من منا لم يشعر بالفاجعة علي ما آلت إليه أحوال بلاد الرافدين؟ تاه العدل فيها وأصبح أسيراً لأن الانفلات الأمني تجاوز كل الحدود فطال الأذي كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك ليتهاوي المصلون والرهبان صرعي قوي الشر الأسود، مازال العراق جريحاً يئن من محنتين: محنة الاحتلال وصراع قوي الارهاب التي تختبئ في كهوفها شياطين تخطط لخراب جديد يدعون الإسلام والإسلام منهم براء.. ومع اتساع رقعة التطرف الديني والخوف من المستقبل لاحظنا موجة كاسحة تقفز بعائلات مسيحية إلي بلاد المهجر، صور تنظيم القاعدة الإرهابي بياناً يتوعد فيه مسيحيي مصر بنفس مصير مسيحيوالعراق باستهدافهم وكنائسهم وأديرتهم ليعلن فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وهو يعالج في باريس رفضه التام لتلك التهديدات. وقال إن الاعتداء علي الاقباط يعتبر اعتداء علي المسلمين جميعاً، وقال قداسة البابا شنودة إن تلك التهديدات من أجل الخير لأنها أعادت الدفء والمودة للعلاقة بين المسلمين والمسيحيين بعد أن اعتراها بعض الفتور في الآونة الأخيرة. وأتساءل: هل كنا بحاجة إلي خطر يداهم أواصر وحدتنا الوطنية لنختبر مدي صلابتنا وتماسكنا أمام الإعصارالقادم ونوضع أمام الاختيار الصعب؟ نعم لأننا بالفعل كنا علي أعتاب فتنة هددت في لحظة سلامنا الاجتماعي تاهت المحبة التي كانت تظلل حياتنا أربعة عشر قرنا شعرنا بأننا علي صفيح ساخن بسبب الصراعات الدينية التي أساسها الجهل بالآخر، وليس خافياً الدور الذي يقوم به أعداء الداخل والخارج الذين يرون أن المصلحة تقتضي تصعيد التوتر فيدفعهم هذا الجهل إلي التهور ومن ثم نعود إلي عهود الظلام لننسف في غفلة قرونا من الوئام كانت مصر تعلو فوق الجميع حباً وتضحية عزة وفخراً. ضللنا الطريق فأظلمت الأجواء حينما استفحل الغضب بين المسلمين والمسيحيين في صورة تجريح واهانات وقامت المظاهرات طالت شخص قداسة البابا وهو رمز ديني له مكانته المقدرة، وكم حاول كلانا التهدئة لكن غصة في القلب مازالت تتداعي فانزوي كل منا وتاه الحرف عن الشفاة. اثبت هذا التهديد أن المصريين يفطنون جيداً إلي عدوهم الحقيقي الذي يسعي جاهداً إلي تهويد القدس وافراغها من محتواها العربي، ولم يكن القبطي عدواً ولن يكون، اثبت التهديدات للمشككين في عمق وصلابة العلاقة بين أبناء الوطن أن المسلمين في مصر يدركون أهمية الحوار والمواطنة والمساواة، يدركون سماحة الإسلام وتعاليمه ومبادئه القائمة علي احترام الآخر، من أجل مواجهة الصعوبات والتحديات التي تحيط بالوطني. ويحضرني الكلمة التي أدلي بها رجل الأعمال نجيب ساويرس أنه يجب علي مسيحيي مصر تصحيح المفاهيم الخاطئة للغرب عن الإسلام وعدم ربطه بالإرهاب. فالمسلمون يتعرضون أيضاً للاعتداءات خاصة في بريطانيا ضد ما يسمي بأسلمة بريطانيا. اثبت التهديد أن المسلمين سياج وحصن من فولاذ يضم أقباط مصر لينصرف عنهم الخوف والقلق ينفضون عنهم غبار الحيرة فلا يتوهون في بحار اليأس طالما وجدوا الملاح الذي سيرشدهم إلي الشطآن ينجيهم من الطوفان. بعد التهديد نزعنا الحجر من القلوب وأخلفت الظنون ضاقت الفجوة التي اتسعت وجعلت حياتنا بلا لون. إنها لحظة جمود وسعادة أن نعود إلي سابق عهدنا لا تفرقة تعوق انتماءنا لتراب مصر ولن تهزمنا الحيات والعقارب ولن تقو علي النيل من ارادتنا. فهل كنا ننتظر الحب من كف الأقدار؟ يستنكر التاريخ فرقة شملنا، دوي النفير، فلا تراجع بعدما هانت الدماء واستبيح المشرق. فلنستعد وحدتنا فطالما عنت الجباه لمن يقول ويصدق.