هناك تساؤلات وحوار مستمر يدور بين الاسر المصرية حول ظاهرة العنف التي تفشت بمعدلات سريعة بين ابنائها وخاصة في القطاع الطلابي بجميع مراحل التعليم المختلفة ظاهرة تبحث عن حقيقة صور العنف التي ظهرت بين الطلاب بعضهم البعض وبينهم وبين المدرسين?! وهل تختلف هذه الصور باختلاف النوع ومستوي التحصيل الدراسي والمرحلة التعليمية? وهل تلعب الظروف الاسرية دورا في السلوك العنيف للطلاب? وهل للبيئة المحيطة بالمدرسة دور في بلورة السلوك العنيف? وهل تختلف اساليب العقاب بين المنزل والمدرسة والجامعة? وما هي تصورات واتجاهات الطلاب حول ظاهرة العنف المدرسي والجامعي? وهل لسلوك المدرسين دور في ظهور العنف بين الطلاب? وهل للنظام المدرسي والجامعي تأثير في إفراز السلوك العنيف? وهل صارت اللغة وسيلة للايذاء النفسي والجسدي بديلا للفهم والبيان والتواصل الانساني? هل فقد التعليم اسلوب التربية? هل العقوبات غير الرادعة للمعلمين وراء ارتكاب وقائع الضرب والايذاء في المدارس? الاطفال يرددون عبارة واحدة (طفولتنا اتسرقت منا) والسبب معروف لدينا جميعا ونمارسه يوميا الا وهو فقدان ثقافة المصارحة والشفافية والمكاشفة في حياتنا. كيف نتخلص من العنف الصوتي الذي نمارسه ونسمعه بشكل شبه دائم في بيوتنا ومؤسساتنا التعليمية والاعلامية والدينية والرياضية وفي الشارع وفي العمل?! ومتي نرتقي وننعم بمستوي اللغة المكتوبة والمرئية ونحميها من دائرة العنف المتمثلة في الصراع والصدام والاذي والاهانة?! والحل يكمن فينا بالتخلص من العنف الكامن بداخلنا، حيث التخلص من عنف السلوك سيكون الخطوة الجادة من التخلص من عنف اللغة التي هي من اجل نعم الله علينا. لقد آن الاوان لوضع وتفعيل الدستور السلوكي للطالب من خلال التشريعات المدرسية بشأن تأديب طلاب المدارس بالتعليم العام بجميع مراحله والتي تتناول العديد من البدائل المتدرجة للعقاب البدني في مدارسنا مثل (التهديد بالعقاب - التأنيب والتوبيخ - الحجز - الطرد من الفصل - الحرمان من الحوافز المدرسية مثل نشاط الرحلات والمعسكرات والنشاط الفني.. الخ. تبليغ الوالدين بسلوك الطالب - خصم درجات من اعمال السنة - الفصل المؤقت من المدرسة - واخيرا الفصل النهائي من المدرسة وهي اكبر العقوبات واكثرها حدة). واذا اوضحنا الاثار السلبية للعقوبات العديدة، فنجدها تسبب (الهروب من المدرسة - احباط نفسي شديد - زيادة في العدوانية تجاه هيئة المعلمين والمدرسة ككل - ثبات السلوك السلبي دون علاج تربوي يؤدي إلي انحراف سلوكي وتزايد الميل نحو التطرف - فما بالك لما نشاهده الان من تزايد صور العقاب البدني، الذي نتج عنه بالفعل إلي تزايد حالات التطرف المختلفة! اذ يجب التأكد من قيام الطالب بفعل يستحق العقاب عليه، وان يتناسب نوع العقاب مع نوع الخطأ في السلوك وان يتماثل جميع المخطئين في توقيع نفس العقوبة عليهم، وتقدير ظروف المعاقب الاجتماعية والنفسية والصحية، وعدم الاسراف في العقاب او التهديد به حتي لايفقد قيمته، وان نسرع بتنفيذ العقاب فور ارتكاب الخطأ حتي لايفقد معناه وقيمته بالا يدرك الطالب سبب عقابه والا يكون من الضعف بحيث لايجدي، او من الشدة بحيث يشعر الطالب بالظلم او من النوع الذي يجرح الكبرياء، المهم في العقوبة ان تكون ذات نتيجة طيبة في تقويم الابناء، ولاتكون مجرد تنفيس عن غضب مكبوت او راحة لأعصاب متوترة التصرف الحكيم، حيث يتطلب الجمع بين الحب والحزم وبين العقاب والعلاج فيكون العقاب هدفه الاصلاح وليس لمجرد المجازاة، وينبغي ان تكون العقوبة علي اساس ثابت من المبادئ والقيم فلا يعاقب الابناء علي شيء من المفروض ان يبتعدوا عنه ثم يصرح لهم بذلك الشيء في وقت آخر!! وهكذا لايدركون الحكمة من المنع والمنح! ومن الحكمة ان نستخدم اسلوب الاقناع الذي يرمي الي حقيقة علمية بأن العقوبة نافعة له بهدف تربيته، وعليه امثولة سيئة تجاه اقرانه الذين يقلدونه في حالة عدم معاقبته مع إشعاره بأن العقوبة لاتتعارض مع محبة المدرسين او الوالدين له. اذن فتربية الابناء تقوم علي اساس المصادقة والمعاقبة اما اسلوب المقاطعة في الحقل التربوي لمدة طويلة له سلبياته ويجب ان يكون لوقت قصير ومحدد، تنتهي بعده المقاطعة وتبدأ بعده عمليات العفو والمغفرة. ومن واقع التقرير الاجتماعي التحليلي للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بشأن موضوع العنف بين طلبة المدارس تبين ان العنف المدرسي في مصر لايصل الي مستوي الخطورة او الي السلوك النمطي المتكرر، ففي كل صور العنف التي تم دراستها بين تلاميذ المدارس جاءت النسب مؤكدة ان ممارسة العنف قليلة لم تزد علي 30% وصور العنف في مصر ما تزال صوراً بسيطة اذا قورنت بالمدارس في البلدان الأخري التي تشتهر بالقسوة - كما ان العنف خارج المدرسة بين الطلاب اكثر تكرارا من العنف داخل المدرسة - وهناك تباين لصور العنف يتميز بها الذكور عن الاناث (الضرب والركل) واستخدام القوة البدنية كلها صور للعنف الذكوري - وتختلف صور العنف وشدته باختلاف المراحل الدراسية ونمط التعليم (حكومي، خاص) - وتعدد صور العنف وتشتد في المدارس الثانوية الفنية بالمقارنة بالمدارس الاعدادية كما اظهرت الدراسة نتيجة مهمة وهي (يمثل العقاب وسيلة اساسية لضبط السلوك في الاسرة والمدرسة علي حد سواء، كما ان الاسرة والمدرسة تتفقان في تدرج اساليب العقاب، وان كان ثمة تأكيد علي استخدام الضرب في عقاب الابناء داخل الاسرة وداخل المدرسة). الا ان ذلك لايمنع من ان نناشد وزارة التربية والتعليم بوضع دستور سلوكي للطالب معلن بوضوح للطالب وولي الامر في المدرسة يتضمن اولا: تسجيل سلوك الطالب. ثانيا: عناصر التفوق السلوكي. من حيث الانتظام في الدراسة والطوابير (الالتزام بمواعيد الحضور والانصراف - عدم التغيب بدون عذر تقبله المدرسة - عمد التكلم اثناء الدراسة او الطوابير بدون اذن - الانتباه التام للمدرس اثناء الشرح والالتزام بتعليمات المدرسة الخاصة بالزي والهندام وتحية العلم واحترام توجيهات واوامر وتقاليد المدرسة بالمحافظة علي النظام والمظهر والنظافة وعدم تشويه المنظر الجمالي للمدرسة والفصل والمرافق والجدران والابواب وتجنب القاء المهملات في غير الاماكن المخصصة لها بالمدرسة والمحافظة علي الممتلكات العامة (اثاث الفصل والمدرسة والمعامل والاستخدام السليم لها) - اداء الواجب وتقدير المسئولية والذي يتضمن (الواجبات المدرسية التحريرية والشفهية المكلف بها من المدرسين - طاعة واحترام المدرسين والمشرفين وادارة المدرسة وعمالها - التمسك بالقيم الخلقية والدينية مثل الامانة والصدق والتعاون مع الزملاء والشجاعة الادبية والخلقية والمحافظة علي الكرامة - مدي التفوق في الدراسة والانشطة التربوية المصاحبة لها - ومدي مساهمة الطالب بالجهود الذاتية في تجميل ونظافة المدرسة واسهامه في صيانة واصلاح الممتلكات العامة في المدرسة والتعاون مع الاقران في تنفيذ جميع الاعمال المطلوبة - كما ان الطالب المثالي في حسن الخلق حين يجمع المدرسين علي ترشيحه. ولتحقيق الامان المدرسي والوقاية من العنف لابد من نشر الثقافة المدنية والاكثار من الانشطة الطلابية وادارة مدرسة فعالة وهذا ما نرجوه من استراتيجية المستقبل!