مع نهاية القرن العشرين اتسعت رقعة الحرية وهبت نسماتها لتشمل المعمورة كلها، ومما لاشك فيه أن دولاً كثيرة حتي من العالم الثالث بدأت تتنفس رياح الديمقراطية وإن كانت الممارسة مختلفة وفقاً للظروف السياسية والتاريخية لكل دولة. ومصر.. بلدنا العظيم بما تتمتع به من حصن حضاري فريد سبقت دولا كثيرة في ممارستها للديمقراطية وبالقياس مع دول أخري بدأت تجربتها الديمقراطية معها تقريباً نجد أن مصرنا قد تأخرت كثيراً عن ركب الديمقراطية المأمول منها والأسباب معروفة لذوي الألباب خارجية وداخلية.. فلا تزال جرعة الديمقراطية المسموح بها للشعب ضئيلة وغير مناسبة لاحتياجات الناس، بالإضافة إلي حاجة الناس الماسة إلي تصحيح المسار حتي تتواكب الديمقراطية مع حركة التاريخ فرغم وجود الأحزاب العديدة بعد عودتها وبزوغ أحزاب جديدة وهو أمر محمود، ورغم وجود ما يسمي بحزب الأغلبية الساحقة للشعب المصري ولا يستطيع عادل أن يضاهيه بأي حزب آخر. هذه الأغلبية الحقيقية التي تقوم بحركة الحياة الفعلية في مصر بمعزل عن الحياة السياسية حيث التزمت الصمت وفضلته علي الدخول في الصراعات الكلامية والمصلحية الفردية لمحترفي السياسة وسياسي كل العصور، وتقوقعت علي نفسها وأخذت تدور في فلك لقمة العيش بصراعاتها التحتية التي أنهكت قواها وبددت طاقاتها ولم تترك لها فرصة المشاركة الحقيقية في صنع قرارها بالممارسة السياسية الصحيحة، وليس أدل علي ذلك من إحجام المواطنين عن ممارسة حقهم في الانتخابات العامة، فأفسحت الطريق للأقلية لممارسة الحياة السياسية نيابة عنها وإن كان هذا يعد خطأ كبيراً يدفع الشعب كله ثمنه فإن الأمل معقود علي الصفوة المخلصة التي بيدها اتخاذ القرار لتصحيح المسار قبل فوات الأوان وتدخل بذلك التاريخ من أوسع وأبهي أبوابه وتختصر الزمان.. ساعتها نستطيع أن نقول للدنيا كلها بملء الفم (ها هو حزب الأغلبية (التي كانت صامتة) يمارس الديمقراطية بصوت عال).