للتاريخ وجه واحد نراه عليه ونفسره لاجيالنا القادمة حتي لاتضيع منه اجزاء تزيف وجه الحقيقة فتظهر حقائق متعددة ووجهات نظر متباينة ويظل المرء عقودا من الزمن لايدري ايما الغث وايما الثمين.. في عام 1248 من الميلاد الموافق 646ه اغار لويس التاسع بحملته الصليبية التي كان ترتيبها السابع بين الحملات التي استهدفت الشرق متخذة الصليب شعارا لها لاستمالة المسيحيين الشرقيين تمهيدا لأغراضهم الاستعمارية والتي تقف وراء ستار الدين منتقبة اطماع تبرأ منها اي عقيدة.. وهذه الحملات التي خرجت من فرنسا متجهة الي قبرص ومنها الي مصر من ناحية دمياط عند مصب نهر النيل.. لقد كانت هذه الحملة الغائرة اكبر من قدرات عجز الدولة الايوبية التي كانت في بداية النهاية.. حيث مرض الملك الصالح نجم الدين ايوب وهيمنة المماليك علي مقاليد الحكم فدخل التتار دمياط بدون مقاومة مما ادي الي هروب الامير فخر الدين من البر الغربي لفرع النيل الي بره الشرقي وهو ابن شيخ الشيوخ تمهيدا لرحيله الي اشموح طناح حيث يرقد السلطان نجم الدين ايوب وظلت هذه الحملة الفرنسية الغائرة طوال خمسة شهور ينهبون في البلاد ويسرقون خيراتها سرقة اكراه حتي تحصنوا بها حصنا منيعا للزحف الي القاهرة وارادوا دخول الضفة الشرقية لنهر النيل فتصدي لهم الامير فخر الدين الذي ظل طوال هذه الشهور يجمع المسلمين والمسيحيين الي كلمة سواء في مواجهة هذه الحملة الخطرة التي تنتقب الدين مستترة علي اطماعها.. وحتي لاتكون الطعنة من الخارج والداخل.. فنجح في مسعاه الذي يقظت اليه البلاد كلها فوقفوا جميعا امام المغيرين علي حساب وطنهم ونيلهم فنجح الجند في دحر هذه الحملة بالمنصورة التي اضحت مقبرة الجيش الذي تستر وراء شعار الصليب وتم اسر مليكهم لويس التاسع مما شجع علي نصرة اهالي فارسكور عليه في اليوم التالي 8 مايو الموافق 1249م لقد نجح المماليك في استقراء روح القتال بين المصريين عامة وعدم انخداعهم بالشعارات التي لاتؤدي الي خير.. وامتد التاريخ علي طوله حتي جاءت الحملة الفرنسية علي مصر عام 1798م ودخلت الي مصر بقيادة نابليون بونابرت ولم تلق مقاومة تذكر حتي وصلت الي صعيد مصر في ابريل 1799 وبالتحديد عند ارض جبلية كان يسكنها الاقباط الذين خشوا هذه الحملة الغاشمة والتي حاولت ان تندس وراء ستائر الدين المسيحي ولكن اقباط الصعيد كانوا اذكي من ذلك فلجأوا الي الجهني القائد الرحالة والبدوي المغوار الذي وضع يده في يدهم وهو الذي اتي من بلاد الحجاز علي دين الاسلام وناهض الحملة في موقعة تاريخية راح ضحيتها 44 قتيلاً فرنسياً تم دفنهم في مقبرة جماعية عند بئر الحاج يوسف في بلد عرفت فيما بعد بجهينة.. مازالت تتعانق فيه روح الدين بين الكنيسة والمسجد بالهلال والصليب حتي تراك ان المسلمين قطعوا جريد النخيل وسقفوا به الكنائس في جنح الظلام حتي يكون الأمر واقع مع طليعة النهار امام الحكومة قبل الثورة.. لقد كانت (ثورة 19) التي تعتبر مرحلة فاصلة في تاريخ المصريين، مضرب المثل في تعانق الصليب مع الهلال وخروج الشعب كله علي قلب رجل واحد في مواجهة استبداد العسكر الانجليزية وفساد الملكية نحو استقرار مؤسسات الدولة واعلان الدستور الدائم للبلاد 1922 والاهتمام بالجيش والمجلس النيابي وهو ما فتح الطريق امام ثورة 23 يوليو لاستكمال مبادئ ثورة 19 بإقصاء الملك واعوانه وجلاء آخر جندي انجليزي عن مصر وحكم الشعب نفسه بنفسه.. ان مصر لاتمارس الاضطهاد الديني للاقليات حتي لليهود الذين مازالوا يمتلكون معابد ومنشآت حتي يومنا هذا وتفتح السوق علي مصراعيه امام جميع المستثمرين.. مصر تحارب فقط المجوس وعبدة الاصنام وبمعني أدق الديانات الارضية، ولكن لاتتدخل في عقائد الآخرين ولاتجعلها قاسما في العلاقة الدولية.. ان المؤتمر الذي تقيمه نقابة المحامين من داخل احد منابر الازهر الشريف لتضميد الجراح ان وجدت وخروج البسمة علي وجه الجميع بلا زيف او مجاملة، مؤكدين علي توجيه حملات الي جميع دول العالم للالتقاء مع الجاليات المصرية والعربية كدعاة سلام من اجل مصر كلها ولا اعتبار لفارقة العقيدة حتي تصل الحقيقة الي الجميع، رغبة منا في زيادة تدفقات الاستثمار والتوعية علي الاستقرار الامني والامان بين المصريين جميعا.. مؤكدين ان الاحداث الطائفية التي تجري هي احداث فردية لم ولن تصل الي الظاهرة التي فيها يخاف المرء علي عقيدته الدينية ومعتقداته.. لقد لمسنا في دوله بحجم ايرلندا وفي عاصمتها (دبلن) مدي تمتع الجالية المصرية هناك بطقوسها الدينية بكاملها حيث منحهم الاهالي حجرة خاصة مساحتها خمسين مترا مربعا لصلاة الجمعة والعبادة لبعد المسجد عنهم بنحو مائتي كيلو مترا.. واعطوهم المفتاح حتي يظل المكان طهورا.. ان ما يحدث في دبلن يحدث في كثير من بلدان العالم الغربي التي تحترم حقوق الانسان في العقيدة وطقوسها.. وانما الافعال الحمقاء التي من شأنها ان تعكر صفو هذه العلاقة المقدسة فعدالة القانون هي السيد والحكم مهما كانت قوة الاشخاص.. فمصلحة الوطن فوق كل اعتبار ولا احد فوق القانون. إن الذين يتصيدون الاخطاء ويشعلون النيران ويسكبون عليها مشاعل الشر لا مكان لهم بيننا.. فإذا كان هناك خطأ غير مقصود أو لبس في الفهم لايوجب اشعال الفتنة الطائفية الكفيلة بأن تقضي علي الاخضر واليابس. إن هذا الوطن امانة في اعناقنا لاجيالنا القادمة كما تسلمناه من آبائنا واجدادنا، نتعايش فيه بحلوه ومره ويبقي الوطن هو الذات المقدسة التي لايسمها الباطل من خلفها او امامها.. نريد اجيالنا القادمة احسن حالا منا ليتسلموا الامانة في ابهي ثيابها ولايلاقوها فحمة سوداء تحتاج عقودا من زمن الاصلاح.. ان العلاقة بين المصريين جميعا كل لايتجزأ ولافرق بين مسلم او مسيحي الا بقدرالعطاء للوطن والحب والتفاني والاخلاص.. ان دماءنا جميعا اختلطت دفاعا عن الوطن في حرب العزة والكرامة 6 اكتوبر 73 ضد اليهود الصهاينة.. ولم يحدث ان اجتس علي الوطن قبطي او مسلم لمصلحة الاعداء الا ما ندر.. عاشت مصر والمصريين في كل مكان من اجل غد مشرق وسماء ذات نجوم ويوم ليله كنهاره.