للتاريخ وجه واحد، نراه عليه، ونفسره لأجيالنا القادمة، حتي لا تضيع منه اجزاء؛ تزيف وجه الحقيقة، فتظهر حقائق متعددة ووجهات نظر متباينة، ويظل المرء عقودا من الزمن؛ لا يدري ايما الغث وأيما السمين.. في عام 8421 من الميلاد الموافق 646ه أغار لويس التاسع بحملته الصليبية الي كان ترتيبها السابع بين الحملات التي استهدفت الشرق متخذة الصليب شعارا لها لاستمالة المسيحيين الشرقيين تمهيدا لاغراضهم الاستعمارية والتي تقف وراء ستار الدين منتقبة اطماعا تبرأ منها أي عقيدة.. وهذه الحملات التي خرجت من فرنسا متجهة الي قبرص ومنها الي مصر من ناحية دمياط عند مصب نهر النيل.. لقد كانت هذه الحملة الغائرة أكبر من قدرات »عجز« الدولة الايوبية التي كانت في بداية النهاية.. حيث مرض الملك الصالح نجم الدين ايوب وهيمنة المماليك علي مقاليد الحكم فدخل التتار دمياط بدون مقاومة مما ادي الي هروب الأمير فخر الدين من البر الغربي لفرع النيل الي بره الشرقي وهو ابن شيخ الشيوخ تمهيدا لرحيله الي اشموح طناح حيث يرقد السلطان نجم الدين ايوب وظلت هذه الحملة الفرنسية الغائرة طوال خمسة شهور ينهبون في البلاد ويسرقون خيراتها سرقة اكراه حتي تحصنوا بها حصنا منيعا للزحف الي القاهرة وأرادوا دخول الضفة الشرقية لنهر النيل فتصدي لهم الأمير فخر الدين الذي ظل طوال هذه الشهور يجمع المسلمين والمسيحيين الي كلمة سواء في مواجهة هذه الحملة الخطرة التي تنتقب الدين مستترة علي اطماعها.. وحتي لا تكون الطعنة من الخارج والداخل.. فنجح في مسعاه الذي يقظت اليه البلاد كلها فوقفوا جميعا امام المغيرين علي حساب وطنهم ونيلهم فنجح الجند في دحر هذه الحملة بالمنصورة التي اضحت مقبرة الجيش الذي تستر وراء شعار الصليب وتم اسر مليكهم لويس التاسع مما شجع علي نصرة اهالي فارسكور عليه في اليوم التالي 8 مايو 9421م. لقد نجح المماليك في استقراء روح القتال بين المصريين عامة وعدم انخداعهم بالشعارات التي لا تؤدي الي خير.. وامتد التاريخ علي طوله حتي جاءت الحملة الفرنسية علي مصر عام 8971م ودخلت الي مصر بقيادة نابليون بونابرت ولم تلق مقاومة تذكر حتي وصلت الي صعيد مصر في ابريل 9971 وبالتحديد عند ارض جبلية كان يسكنها الاقباط الذين خشوا هذه الحملة الغاشمة والتي حاولت ان تندس وراء ستائر الدين المسيحي ولكن اقباط الصعيد كانوا اذكي من ذلك فلجأوا الي الجهني القائد الرحالة والبدوي المغوار الذي وضع يده في يدهم وهو الذي اتي من بلاد الحجاز علي دين الاسلام وناهض الحملة في موقعة تاريخية راح ضحيتها 44 قتيلا فرنسيا تم دفنهم في مقبرة جماعية عند بئر الحاج يوسف في بلد عرفت فيما بعد بجهينة.. مازالت تتعانق فيه روح الدين بين الكنيسة والمسجد بالهلال والصليب حتي تراك ان المسلمين قطعوا جريد النخيل وسقفوا به الكنائس في جنح الظلام حتي يكون الامر واقع مع طليعة النهار امام الحكومة قبل الثورة.. لقد كانت »ثورة 91« التي تعتبر مرحلة فاصلة في تاريخ المصريين؛ مضرب المثل في تعانق الصليب مع الهلال وخروج الشعب كله علي قلب رجل واحد في مواجهة استبداد العسكر الانجليزية وفساد الملكية نحو استقرار مؤسسات الدولة واعلان الدستور الدائم للبلاد 2291م والاهتمام بالجيش والمجلس النيابي وهو ما فتح الطريق امام ثورة 32 يوليو لاستكمال مباديء ثورة »91« باقصاء الملك واعوانه وجلاء آخر جندي انجليزي عن مصر وحكم الشعب نفسه بنفسه.. ان مصر لا تمارس الاضطهاد الديني للاقليات حتي لليهود الذين مازالوا يمتلكون معابد ومنشآت حتي يومنا هذا وتفتح السوق علي مصراعيه امام جميع المستثمرين.. مصر تحارب فقط المجوس وعبدة الأصنام وبمعني ادق الديانات الأرضية ولكن لا تتدخل في عقائد الآخرين ولا تجعلها قاسما في العلاقة الدولية.. ان المؤتمر الذي تقيمه نقابة المحامين من داخل احد منابر الازهر الشريف فيه تضميد الجراح وان وجده وخروج البسمة علي وجه الجميع بلا زيف أو مجاملة؛ مؤكدين علي توجيه حملات الي جميع دول العالم للالتقاء مع الجاليات المصرية والعربية كدعاة سلام من أجل مصر كلها ولا اعتبار لفارقة العقيدة حتي تصل الحقيقة الي الجميع؛ رغبة منا في زيادة تدفقات الاستثمار والتوعية علي الاستقرار الامني والامان بين المصريين جميعا.. مؤكدين علي ان الاحداث الطائفية التي تجري هي احداث فردية لم ولن تصل الي الظاهرة التي فيها يخاف المرء علي عقيدته الدينية ومعتقداته.. لقد لمسنا في دولة بحجم ايرلندا وفي عاصمتها »دبلن« مدي تمتع الجالية المصرية هناك بطقوسها الدينية بكاملها حيث منحهم الاهالي حجرة خاصة مساحتها خمسون مترا مربعا لصلاة الجمعة والعبادة لبعد المسجد عنهم بنحو مائتي كيلومتر. ان ما يحدث في »دبلن« يحدث في كثير من بلدان العالم الغربي التي تحترم حقوق الانسان في العقيدة وطقوسها.. وانما الافعال الحمقاء التي من شأنها ان تعكر صفو هذه العلاقة المقدسة فعدالة القانون هي السيد والحكم مهما كانت قوة الاشخاص.. فمصلحة الوطن فوق كل اعتبار ولا أحد فوق القانون.. ان الذين يتصيدون الاخطاء ويشعلون النيران ويسكبون عليها مشاعل الشر لا مكان لهم بيننا.. فاذا كان هناك خطأ غير مقصود أو لبس في الفهم لا يوجب اشعال الفتنة الطائفية؛ الكفيلة بأن تقضي علي الاخصر واليابس.. ان هذا الوطن امانة في اعناقنا لأجيالنا القادمة كما تسلمناه من آبائنا وأجدادنا، نتعايش فيه بحلوه ومره ويبقي الوطن هو الذات المقدسة الي لا يمسها الباطل من خلفها أو امامها.. نريد اجيالنا القادمة احسن حالا منا ليتسلموا الأمانة في أبهي ثيابها ولا يلاقوها فحمة سوداء تحتاج عقودا من زمن الاصلاح.. ان العلاقة بين المصريين جميعا كل لا يتجزأ ولا فرق بين مسلم أو مسيحي إلا بقدر العطاء للوطن والحب والتفاني والاخلاص.. إن دماءنا جميعا اختلطت دفاعا عن الوطن في حرب العزة والكرامة 6 أكتوبر 37 ضد اليهود الصهاينة.. ولم يحدث ان اجتس علي الوطن قبطي أو مسلم لمصلحة الاعداء إلا ما ندر.. عاشت مصر والمصريون في كل مكان من أجل غد مشرق وسماء ذات نجوم ويوم ليله كنهاره.. كاتب المقال : نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب