المعارضة الإلكترونية تسعي إلي التأثير في الشارع الناصريون: مازال غالبية المصريين غير قادرين علي التواصل مع الدعاية الانتخابية عبر الإنترنت النواب: البلطجة والمال علي أرض الواقع.. أقوي من التكنولوجيا تحقيق حسين الطيب المشهد الأول الزمان : بعد منتصف ليل احدي ليالي شتاء منتصف أربعينيات القرن الماضي المكان : سرداب أسفل أحد عقارات حي السكرية العتيق وبينما الصمت يلف ارجاء المكان والظلمة تكسو وجه الحياة إلا من مصابيح قليلة تنير بعض الشوارع الرئيسية بالقاهرة القديمة .. نري ضوءاً خافتاً ينير السرداب ولا يقطع صمته إلا صوت ماكينة طباعة ألمانية.. عفية الاستخدام.. عالية الضجيج ومجموعة من مناضلي النصف الاول من القرن الماضي يقومون في همة ونشاط بطباعة منشور جديد عن فساد الملك وحاشيته ويجهزون انفسهم لتوزيعه سراً بين المواطنين وعلي المصلين بالجامع الأزهر عقب صلاة الجمعة. المشهد الثاني الزمان : بعد صلاة الجمعة بالنصف الثاني من القرن العشرين في الفترة الممتدة من بداية الستينيات وحتي منتصف الثمانينيات المكان : ساحة الجامع الأزهر في قلب قاهرة المعز القديمة حيث يقف بعد الصلاة مجموعة كبيرة من نشطاء العمل السياسي في مصر منظمين أنفسهم للقيام بمظاهرة كبيرة ضد بعض تجاوزات النظام الحاكم أو مطالبين بفتح باب التطوع للجهاد ضد العدو الصهيوني وعمليات الابادة التي يقوم بها ضد الفلسطينيين .. أو ضد ارتفاع أسعار السلع الغذائية الرئيسية .. وبينما يخطب بعضهم بخطب جهورية وآخرون يهتفون بشعارات معارضة نجد اخرين يرفعون لافتات تندد بالحدث الذي أعدت المظاهرة من أجله .. وبينما يحدث كل ذلك نجد الامن وقد حول المكان الي ثكنة عسكرية واحاط المكان بمجموعة مدججة من رجال الشرطة لتبدأ الصدامات الدامية بين المتظاهرين ورجال الشرطة وتنتهي المظاهرة بتفريقها بعد اعتقال البعض واصابة الكثير وفرار الكثير والكثير من عصي رجال الشرطة. المشهد الثالث الزمان : إحدي ليالي صيف الحقبة الأولي من بدايات القرن الحادي والعشرين المكان : غرفة متوسطة الحجم بشقة يدل أثاثها علي يسر الحال وتتناثر علي جدران الحجرة عدة صور مختلفة لبعض المطربين والممثلين العالميين وبعض مشاهير السياسة الدولية والمناضلين في مختلف أرجاء العالم ويتوسط الحجرة مكتب صغير عليه جهاز كمبيوتر متصل بالإنترنت بالإضافة الي بعض الكتب علي ثلاثة أرفف تم وضعها في منسق ديكوري عصري، وعلي الجانب الآخر من الحجرة سرير يتسع لفرد واحد وكان التناسق المظهري للحجرة يدل علي لمسات جمال بسيطة تدل علي حب صاحبها للتنسيق والتدقيق .. ونري صاحبة الحجرة تجلس أمام جهاز الكمبيوتر وقد انهمكت في نشر رسالة الكترونية عبر شبكة الانترنت وتحديدا عبر موقع الفيس بوك الشهير لتبدأ شرارة اضراب 6 ابريل وتتوالي من بعده نظم المعارضة الإلكترونية في مصر لتشبه حربا الكترونية من نوع خاص بين الحكومة والمعارضة المصرية. المشاهد الثلاثة السابقة تعبر في مجملها البسيط عن ملامح التطور الذي حدث في الحياة السياسية عبر السنوات الماضية بداية من النصف الأول من القرن الماضي وحتي لحظة كتابة هذه السطور .. ولكن المشهد الثالث والذي لن يكون الاخير يعبر عن التحول الجذري في شكل المعارضة المصرية وتخطي منحني الخطب والمنشورات والمظاهرات، وإن كانت هذه الملامح لم تنته نهائيا ولكن بعضها في زوال والآخر أخذ أشكالا جديدة وظهر منحني المعارضة الإلكترونية التي أصبحت إحدي أهم وسائل الحراك السياسي في المجتمع المصري.. متخذاً الاتجاه الصاعد عبر الانترنت والرسائل القصيرة والصور الرقمية والبريد الالكتروني والرسائل سواء الدعائية أو التنظيمية مثلما حدث في الاضراب الشهير ب .إضراب 6ابريل وقام فيه بدور البطولة موقع facebook الاجتماعي الشهير..وكانت الأيام الأخيرة شهدت تداولاً وقحاً لصورة ابنة العالم المصري الدكتور محمد البرادعي مرتدية لباس البحر ( مايوه ) علي اعتبار أن تلك الصورة تعيبه في محاولة لكسر حاجز التأييد له علي المستوي الشعبي حيث تناولت بعض الصحف خبر نيته الترشح لمنصب رئيس الجمهورية .. وعلي الفور تبرأت الحكومة من نشر الصورة وتم القبض علي الشاب الذي نشرها وجار محاسبته وفي القريب ستطل القنوات الفضائية برأسها لتدلي بدلوها في الحياة السياسية المصرية سواء الحكومية أو المعارضة .. ومن هذا المنطلق التقينا بمجموعة من رموز النخبة السياسية في مصر لاستبيان أرائهم فيما ستفعله الحرب الإلكترونية في السياسة المصرية . في البداية التقينا ( أحمد حسن ) الأمين العام للحزب الناصري الذي قال :لاجدال في أن التكنولوجيا أصبحت محركا هاما في السياسة المصرية سواء علي المستوي الشعبي أو الحكومي أو المعارض بعدما دخلت لغة العصر في الحياة العامة وسوف تشهد الايام القادمة صراعا الكترونيا شديدا دعائيا ومعارضا بين أطراف المعترك السياسي المصري علي الرغم من أنها لاتزال في مهدها. وعن استخدامات الحزب الناصري للتكنولوجيا أضاف أن الحزب قام بانشاء موقع علي شبكة الانترنت لاستخدامه في بث رسائل دعائية لمرشحي الحزب في الانتخابات البرلمانية المقبلة وأيضا السماح للمرشحين بنشر رسائلهم الانتخابية لدوائرهم عبر الموقع .. وفي المستقبل تنبأ الأمين العام للحزب الناصري بشدة تأثير ( الميديا ) بشكل عام في الرأي العام المصري، وعن الانتخابات الرئاسية قال: أظن أن الانتخابات في مصر لها آليات مختلفة، خاصة أن الغالبية العظمي من المصريين قاطنة في الريف والأحياء الشعبية الفقيرة، وهؤلاء نسبة قليلة منهم تستطيع التواصل مع الدعاية الانتخابية عبر النت. حذار من المال والبلطجة ويقول الدكتور محمد رجب زعيم الأغلبية بمجلس الشوري: إن التكنولوجيا متاحة للجميع وليس للحكومة فقط أو المعارضة فقط فهي ليست حكرا علي أحد وسوف تؤثر في الجميع .. ولابد من معرفة التغيرات الحاصلة في الحياة العامة وتأثيرات تلك المتغيرات في مصر. وأضاف دكتور رجب أن المال والبلطجة سيكونان أكثر تأثيرا في الانتخابات القادمة مما يوجب التصدي لهاتين الظاهرتين. وشدد في حديثه علي ضرورة التحلي بالأخلاقيات بين المرشحين الذين سيستخدمون التكنولوجيا في دعايتهم الانتخابية حتي لاتصيب تلك الوسيلة الخطيرة حرمة البيت المصري . وعن رأيه في الحرب الإلكترونية الجديدة بين الحكومة والمعارضة المصرية قال الدكتور حمدي حسن النائب الاخواني إنها تعتبر إحدي وسائل التغير الحقيقي في مزاج ورغبات وأهواء المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والفكرية وإن تكنولوجيا الانترنت تعد هي الحرية المنشودة بعيدا عن الرقابة الحكومية، خاصة وأن جميع الوسائل الأخري تخضع للرقابة الحكومية بطريقة أو بأخري . وأضاف أنه لن تقف كلمة أن نصف المجتمع عمال وفلاحين في وجه التكنولوجيا وأن غالبية الشعب لا يجيد التعامل مع الانترنت، وعلي مثال ذلك حادث الشاب خالد سعيد الذي تجمع معارضو الاعتداء عليه عبر شبكة النت ونستطيع القياس علي ذلك الموقف الكثير من المواقف التي قد تصبح التكنولوجيا فيها الحاسم الأكبر. مازال عالماً افتراضياً وفي نهاية لقاءاتنا التقينا بالناشط السياسي والمفكر القبطي جمال أسعد الذي قال : أولاً من حيث الاقتناع بأن هناك شيئاً اسمه الثورة الالكترونية .. فهذا قائم وكون هناك حراكاً ما سياسياً معارضا يتحرك ويثبت نفسه فهذا أيضا قائم . وأضاف جمال أسعد: ولكن مازال هذا عالما افتراضيا لا علاقة له بالواقع السياسي أو بتغييره ومن الممكن أن يكون مساهما في تعلية درجة الوعي السياسي لدي المواطن ومن الممكن أن يكون محفزا في الوعي ولكن لن يكون بديلا لحركة السياسية علي أرض الواقع في الشارع السياسي، حيث إن الأصل في المشاركة هو المباشرة من المواطن وليس من خلال عالم افتراضي لا نعلم فيه ماهية الشخص الذي نتحدث معه. واختتم حديثه قائلاً: إن لم تكن هناك قناعة حقيقية وأصيلة بالمشاركة في المظاهرة فلن يكون الفيس بوك أو غيره فاعلا في المشاركة السياسية وعلي سبيل المثال فإن الملايين قد شاركوا علي النت في الكثير من المواقع الشهيرة والمواقع غير المعروفة في استطلاعات للرأي ومناقشات وغير ذلك ولكن الذين نزلوا وشاركوا في الحدث أقل بكثير من عدد المشاركين علي الانترنت مما يعني أنه مازال هناك وقت حتي يصبح العالم الافتراضي عالما حقيقيا في الشارع السياسي المصري.