يضعنا عدول النائب العام المستشار طلعت عبد الله عن استقالته من منصبه والتي كان قد قدمها للمجلس الأعلي للقضاء قبل أيام، علي بداية خط بياني ينذر في نهايته بشرر كالقصر، ليس بسبب تراجعه، ولا للمبررات التي ساقها وهي معروفة للكافة، ولا بسبب الاستقالة ذاتها بعدما رضخ لضغوط مجموعة من أعضاء النيابة العامة اعتصمت أمام مكتبه بدار القضاء العالي وطالبته بالاستقالة التي لوح البعض عبر وسائل الإعلام المختلفة عمن وراءها أو دفع بها ، وإنما لكونها سابقة هي الأولي من نوعها، تهدد إن أصبحت سنة، المنصب الرفيع، حين يتوعده أي من كان من بني جنسه،أو يهدده أو يحاصر مكتب صاحبه فيسارع بالاستقالة، وهو مالا يليق باسم مصر الثورة والحضارة والتاريخ القضائي التليد . وإذا كنا لا ننكر علي نادي القضاة برئاسة المستشار الجليل أحمد الزند حق الاعتراض علي إقالة المستشار عبد المجيد محمود النائب العام السابق، ثم قرار معظم نوادي القضاة بالمحافظات تعليق العمل في المحاكم ورفض المشاركة في الإشراف القضائي علي الاستفتاء علي مشروع الدستور، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال قبول اعتصام مجموعة من أعضاء النيابة العامة لمكتب نائب مصر العام علي النحو الذي تناقلته وسائل الإعلام يطالبونه بالرحيل ويتوعدونه بالتصعيد ما لم يستجب! إذا كان الموقف الأخير هو رد فعل رجالات السلك القضائي، وعلي النحو الذي تابعناه تجاه زميلهم صاحب المنزلة السامية النائب العام، فقرروا - وهم المحظور عليهم بحكم المقام الرفيع - الانشغال بما ينشغل به سواهم من أمور هي أقرب الي العمل السياسي منها إلي الشأن القضائي ، فما الحال إذن بمن دونهم في المنصب والسلطة، خاصة أن رأي المجلس الاعلي للقضاء في تعييين النائب العام ووفقًا للدستور الحالي غير ملزم فيما يعد حقًا أصيلًا لرئيس الجمهورية. ثم إذا كان قصر المدافعين عن استقلال السلطة القضائية وسيادة القانون - وهو هنا نادي القضاة - قد قام بدوره مستنكرا في بيان واضح قرار رئيس الجمهورية وفق الإعلان الدستوري "الأزمة"، بإقالة "محمود" وتعيين "عبد الله" مكانه، ألحق به قرار بعدم الاشراف اللقضائي علي الاستفتاء، وانتهي الأمر، فبماذا يمكن أن نصف أو نسمي ما قام به بعض اعضاء النيابة العامة وحصارهم أو اعتصامهم أمام مكتب النائب العام والوعيد بالتصعيد مالم يقدم استقالته ، ثم أليس ذلك الخطاب فضلاً عن غرابته هو سياسي في المقام الأول يحظر علي السلك القضائي الانخراط فيه او مجاراته حفاظًا علي جلال المنصب وقدسية القضاء؟ ثم إذا كان قضاة مصر - ومرة أخري - يريدون معاقبة الأغلبية التي أتت برئيس الدولة وفق انتخابات ديمقراطية نزيهة، فرفضوا الإشراف علي الاستفتاء، ألا يؤكد ذلك وجود نية مبيتة لتعجيز الدولة عن تحقيق النزاهة التصويتية، حين تضطر للجوء لغير القضاة من موظفي الدولة، فيسهل الطعن بعدم صحة التصويت أو بالتزوير، فيكون المردود لحساب أنصار "لا" المتربصين بالاستقرار والداعمين لاستمرار الاحتقان في الشارع المصري، وعدم دوران تروس الإنتاج وعجلات الاستثمار في مناخ آمن مطمئن؟! ثم - عفوًا- أليس ذلك كله سواء كان بقصد أو بغير قصد، يدخل تحت مظلة المكر السياسي الذي يجب أن ينأي قضاة مصر بأنفسهم عنه، باعتبار أن عملهم هو رسالة في الأصل وليس وظيفة تخضع لمعايير الكيد والانتقام السياسي، ثم لماذا ألحق قرار المقاطعة للاستفتاء باعتصام مجموعة من أعضاء النيابة العامة أمام مكتب النائب العام مصرين علي استقالته، وإما التصعيد؟! من حق نادي قضاة مصر أن يصدر ما يشاء من بيانات تستنكر أو ترفض المساس بقدسية القضاء واستقلاله، وكلنا معه في ذلك حتي وأن حادت البيانات عن الموضوعية أو جانبها الصواب من وجهة نظر البعض، لكن من غير المقبول أن يصدر النادي الغليان داخل جدرانه إلي مكتب النائب العام، دون خروج بيان بالاستنكار ، ومطالبة من اعتصم من أعضاء النيابة العامة علي سلالم دار القضاء العالي بالعودة إلي البيت القضائي بشارع عبد الخالق ثروت بوسط القاهرة للتعبير عن مواقفهم ورأيهم تجاه تعيين النائب العام الذي استقال تحت ضغط، وأظنه عاد تحت ضغط أكبر اسمه كبرياء المنصب. This e-mail address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it