بين 24 ابريل و 22 اغسطس الماضيين، حلقة مفقودة من خط سير النهج الحكومي تجاه قرض صندوق النقد الدولي، وأعني هنا حلقة الشفافية ، وإذا أردنا ان نراجع سويا ، فلنبدا من التاريخ الأول حين قدم أعضاء البرلمان بأغلبيته الاسلامية شروطا مسبقة للموافقة علي طلب حكومة الدكتور كمال الجنزوري باقتراض 3.2 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، تشمل أولا: معرفة كل الشروط والتفاصيل الخاصة بالقرض، ثانيا: أن يكون البرلمان طرفا فى الحوار والمفاوضات حوله ولا يقتصر ذلك على الحكومة فقط، وثالثا: أنه فى حال توفير الحكومة بدائل للقرض فلن يتم سحبه أو على الأقل يسحب جزء منه. علي هذا النحو من الأداء البرلماني المحترم، قدرنا جميعا الشروط والموقف، امعانا في كشف ملابسات القرض وشروطه لممثلي الشعب تحت قبة البرلمان، كي نعرف وكما يقولون في العامية "ساسنا من راسنا"، وإن اغضب الجنزوري رد الفعل البرلماني في حينه، والذي لم تفلح معه محاولات الحكومة لإثنائه عن موقفه، ولا حتي بعد تصريحات الدكتور ممتاز السعيد وزير المالية فى حينه بأن الاتفاق مع الصندوق بمثابة شهادة علي قدرة الاقتصاد القومي علي تجاوز الأزمات الراهنة, وقدرة مصر علي الوفاء بالتزاماتها المالية الدولية، فتوقفت المشاورات إلي مابعد تشكيل الحكومة الجديدة . وفي 22 اغسطس الماضي، فوجئنا بطلب مصر قرضا يتجاوز 4,8 مليار دولار أي بزيادة 1,6 مليار دولار على الأقل عما كان مطروحا في السابق.دون ان يحدثنا الدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء شيئا عن شروط القرض وتفاصيله التي كان البرلمان الأخير متمسكا بالإحاطة بكل تفاصيلها كشرط لإجازته ، والموافقة عليه باستثناء تصريحات مقتضبة لقنديل خلال مؤتمر صحفي مع مديرة صندوق النقد كريستين لاجارد في القاهرة ، أعرب خلاله عن أمله في إمكانية توقيع هذا القرض خلال شهرين أو قبل نهاية العام بفائدة 1,1% على خمس سنوات مع فترة سماح 39 شهرا، وبأن يكون لهذا القرض تأثير في الحصول على صناديق إضافية من مؤسسات مالية دولية أخرى. ورغم ان الرئيس مرسي سبق ان اكد خلال لقائه " لاجارد إن مصر لديها إمكانات هائلة للنمو وإن البنك المركزي والجهاز المصرفي المصري ينعمان بالاستقرار، وإن صندوق النقد ليس فقط مؤسسة تمويل وإنما مؤسسة دولية تدعم الثقة في الاقتصاد الوطني وتشجع وهو صحيح - المؤسسات الأخرى على الاستثمار في مصر، غير إنه لا يمكن ياسيادة الرئيس ان نأمن مكر الصندوق الدولي ومن ورائه في واشنطن وتل ابيب. من ناحية اخري، ورغم تصريحات قنديل بأن شروط قرض صندوق النقد تعتبر أيسر ومقبولة مقارنة بشروط الاقتراض الداخلي، "حيث تبلغ الفائدة بالنسبة لقرض الصندوق 1.1 في المائة على مدة 5 سنوات مقارنة بالاقتراض الداخلي الذي تبلغ الفائدة 12 في المائة" ، ورغم أن الاقتراض الخارجي بحسب رئيس الوزراء هو الحل ، باعتباره أقل فائدة من الاقتراض الداخلي، فإنه والحال كذلك لا يمكن إغفال ان الحكومات في كثير من البلدان النامية وبمقتضي اتفاقها مع مؤسسات واشنطن ملتزمة بتحديد أولوياتها وفقا لما اصطلح تسميته بورقة الإطار السياسي. ورغم ان هذه الورقة من الناحية الرسمية وثيقة حكومية تحددها السلطات الوطنية، فإنها وفقا لعالم الاقتصاد الكندي ميشيل تشوسودوفيسكي في كتابه "عولمة الفقر"، تكتب تحت الاشراف الدقيق لصندوق النقد والبنك الدوليين بصياغة نمطية معدة من قبل.. يعني إيه؟ أقصد هنا انه إذا كان صندوق النقد الدولي معنيا بالمفاوضات السياسية الرئيسية المتعلقة بسعر الصرف وعجز الميزانية، ومراقبة أداء البلد اقتصاديا ، بحيث انه إذ لم تكن الاصلاحات منفذة حرفيا وفقا للاتفاقات، يعود البلد الي القائمة السوداء، فإن مهمة البنك الدولي أكثر "رزالة" لاندساس أنفه في عملية الاصلاح الفعلية من خلال مكتبه التمثيلي علي مستوي البلد وبعثاته الفنية الكثيرة في كثير من الوزارات ، حيث انه من المعروف ان الاصلاحات المختلفة في الصحة والتعليم والصناعة والزراعة والنقل والبيئة وغيرها، تدخل في ولايته، فضلا عن ذلك فإن البنك الدولي يشرف ومنذ اواخر الثمانينيات علي خصخصة منشآت الدولة ، وهنا مكمن الخطر! بشكل عام .. من المعروف أن اتفاقات القروض الدولية تضم مشروطيات شديدة اللهجة للدولة المدنية، فالاموال لا تمنح إلا إذا التزمت الحكومات باصلاحات هيكلية جادة، في الوقت الذي عليها احترام المواعيد الدقيقة للغاية لتنفيذها، فهل تفصح الحكومة بشفافية مأمولة عن مشروطيات قرص الصندوق الدولي عند التفاهم حوله نهاية العام الحالي؟ أظنه شيء مهم جدا حتي يعلم الشعب علي اي أرض يقف اقتصاد مصر الجديدة . [email protected]