بعد الشهر الكريم تسقط الأقنعة عن النفوس المريضة.. إيمانيات مصطنعة .. و روحانيات زائفة بعد الصيام و القيام .. تنغمس القلوب فى ملزات الدنيا .. فتنجلى حقيقتها الظلامية. الدعاء مخ العبادة وأصلها واساسها ... الصاعقة لا تصيب ذاكراً لله عز وجل إصلاح النفس تكليف إلهي.
فى جلسة نقاشية ودودة مع فضيلة الدكتور الأمير محفوظ عضو لجنة التعريف بالمجلس الأعلى للشئون الاسلامية و أمام مسجد مولانا الإمام الحسين رضى الله عنه .. وبصحبة كوكبة من رجال التصوف الاسلامى كانت الدائرة النقاشية تدور حول السؤال اللحوح الدائم بعد انتهاء شهر الخير و البركات .. رمضان شهر الله المعظم .. حيث دائما أبدا ما نجد الناس وقد تغيرت أحوالهم و كأنما تبدلت قلوبهم فى رمضان وبعد انتهاء الشهر الكريم حيث يقع الكثيرون فى خطأ فادح بتناسى ان رب رمضان هو رب كل الشهور ومع نهاية افطار أخر يوم من رمضان تسقط الأقنعة عن القلوب وتنجلى الحقائق ليعرف الجميع من كان إيمانه مصطنعا و من كان فى الايمان راسخا فيلهث أصحاب الروحانيات الزائفة نحو حقيقة مقاصدهم من ملزات و شهوات دنيوية رخيصة .. وقد تدافعت الشهوات فى نفوسهم فانجلت ظلمة قلوبهم عما بداخل نفوسهم ولم يدركوا أن رمضان ما هو إلا بداية الطريق إلى الله و ليس نهايته .. كما أنه يجب على المؤمن التقى النقى أن يعرف كيف يحافظ على المكاسب الرمضانية العظيمة فيفوز بالجائزة الرمضانية الكبرى ألا و هى المعية الربانية . وحول هذه المفاهيم كان حديث الدكتور الامير معنا فقال: إن كثيرا من المسلمين يقبلون على الله في شهر رمضان فمن كان تاركا للصلاة أقبل على ربه فصلى صلواته الخمس ، وحرص على أن تكون بالمسجد حتى يتعلق قلبه بالمسجد ويصدق فيه قول النبي: (ورجل قلبه معلق بالمساجد ) من السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله. ومن كان قاطعا للرحم فإنه يحاول جاهدا يصل ما انقطع من رحم وقربى فيكون وصل القرابة بإفطارهم في رمضان فالله يقول: (من فطر صائما فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجورهم شيء). ومن كان مدبرا عن طاعة الله تحل عليه الرحمات والتجليات بأقل سبب من اسباب الطاعة من إقبال على الله بالقليل من الطاعات بصلاة ركيعات في جوف الليل الاخير وهي تحقق صلة بالله . ولكن بعدما انتهى شهر رمضان وأدبر المدبرون عن طاعة الله فتكاسلوا عن استدامة الحال الذي كانوا عليه في رمضان من الاهتمام بصلاة النوافل الراتبة بقدر الاهتمام بصلاة الفرض فماذا يفعل المسلم هل يحبط عمله الذي كان عليه في رمضان؟ هل يخاصم الطاعة ويترك العبادة فالله أكرم وأجل من ذلك فالله يغضب أن تركت سؤاله ..فالدعاء مخ العبادة وأصلها واساسها، ولا يزال العبد في طاعة لله ما كان ذاكرا لربه بمزيد دعاء ورجاء لله فمن ذكر الله فلم ينسه ومن أقبل عليه فلم يدبر ومن اطاعه فلم يعصه كان من أهل الصلة وؤالوصل والقبول فالله يقول : أمن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم الأرض أإله مع الله ) وقال: (ادعوني استجب لكم) فهو وعد الله الذي لا يتخلف بأن الدعاء تعقب الاستجابة من الله ولا تفسر الاستجابة بتنفيذ المطلوب وتحقيق المرغوب بل تفسر بتحقيق علم فيما الداعي من خير الدنيا والآخرة . والدعاء ثمرة من ثمرات الإيمان بالله ودليل من أدلته، وغاية من غايات العابدين في عبادتهم لله، حيث إن الدعاء وجدناه يصدر من الأنبياء في حالة العسر واليسر، والنشاط والكره.فوجدنا دعاء سيدنا إبراهيم عند نشاطه ويسره قال تعالى: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتبادل علينا إنك أنت التواب الرحيم* ربنا وبعث فيهم رسولا منهم) فدعا لحاضره ومستقبله القريب والبعيد في بشارة بخاتم الانبياء. كما وجدنا دعاء يونس وأيوب وغيرهما عند الشدة والكرب والحاجة، فأما يونس فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وأما أيوب فدعا لما اشتد مرضه اني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين. وربما يكون الدعاء جامعا بين الدنيا والآخرة، فإن امرأة فرعون دعت ربها فأفادتنا كثيرا من دعائها وذلك أنها قالت: (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) ويؤخذ منه ما يلي: أولا: اختيار الجار قبل الدار، حيث سألت الله مجاورة الله بالعندية الخاصة المفيدة طلب العناية بالمجاورة . ثانيا: طلب الآخرة مقدم على طلب الدنيا، حيث سألت الله بيتا في الجنة وهذا من شؤون الآخرة قبل سؤالها النجاة من فرعون ومن القوم الظالمين. ثالثا: إنها سألت الله النجاة من فرعون ولم تصفه بوصف ذم، ولم تقدح في خلقه ومعاملته، بينما وصفت للقوم بالظلم، مما يدل على حسن معاشرتها زوجها - وهو كافر غير مؤمن - وهذا هو خلق المؤمن في كل رسالة سماوية وفي كل دين صحيح النسبة إلى الله تعالى. رابعا: سؤالها النجاة من القوم الظالمين يدل على جواز الشكوى لمن يتحقق على يده العدل والمساواة. وهكذا نجد في الدعاء اتساق بين الدنيا والآخرة . ثم انتقل بنا الحديث لتتجاذب الدكتورة زينب زكى خبيرة العلاقات الانسانية اطراف الحديث لتأخذنا فى رحلة تعارفية لأغوار النفس البشرية و تحاول الاجابة عن السؤال الجوهرى و المحورى فى الحديث ( لماذا تتبدل النفس البشرية وتفقد غنائمها الرمضانية ؟ فاستهلت الحديث بسؤالها .. لكل مغتنم يسأل كيف تحافظ على ثروتك التي قمت بتجميعها في هذه الأيام الفضيلة ؟؟ سؤال مهم جداً فالإنسان الذي لا يعرف قيمة هذا الشهر الذي انقضى لا يمكن أن يعمل و يغتنم فى حياته أى عبادة و لن يعرف الطريق لأهم العبادادت الموصلة للمولى عز وجل فالإنسان الذي لا يعرف هدفه، كيف يتحرك للعُلى ؟ اذ أن الحركة هي الخروج من حالة إلى اخرى أو كما يقول الفلاسفة : هي الإنتقال من القوة إلى الفعل و الحركة دليل الحياة إذ الميت لا يتحرك و الإنسان سالك متحرك نحو الحقيقة و لهذا .. اولاً لابد ان يعرف الإنسان قدره و هدفه وقدر و قيمة الإنسان تكمن في أنه امتداد عظيم للحياة حيث انه لم يخلق للموت بل للبقاء يقول تعالى ( خلق الموت و الحياة) و لفظ خلق يدل على الوجدان لا الفقدان و على وجود لا عدم فهو وجود مستمر لا ينقطع بموته لأن الموت بداية حياة اخرى و أما أهداف الخلقة فكثيرة ( أولها و أهمها .. العبادة ) و منها أيضا ليصل إلى أعلى عليين و المقربين و ... و... فالإنسان موجود ليتسابق في الوصول الى درجات المقربين من الله عز وجل " وهانحن قد بلغنا الله الشهر الكريم و بلغنا ضيافته في العيد الجليل السعيد،فلابد لنا أن نتسائل كم تجلت الأسماء الإلهية في وجودنا في هذا الشهر؟؟ هل حصلنا على القرب الإلهي ؟؟ هل حصلنا على الترقيه هل أحصينا شيء من الفيوض ؟؟ إن كان الجواب نعم ، فلنكمل الطريق بهمه وشوق وإن كان الجواب لا ، فلابد أن نضع خطة تربوية لأنفسنا و تكمن خطتنا في مسالة الإنصاف .. الذى هو الفضائل و الإنصاف أربع أقسام فتأملي يا نفس فيما اعددت لتوجهك الى الطريق وإلى عالم الحقيقه .فلنتحدث عن الإنصاف مع الله عز وجل الله سبحانه وتعالى رزقنا كل النعم فلابد من شكره ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُ.) وتضيف دكنور زينب زكى أن الله جل جلاله قد بعثت الأنبياء لأجل إستيقاظ البشر من النوم و الغفلة و سيدنا علي بن أبى طالب رضى الله عنه يقول :(من تساوى يوماه فهو مغبون) المقصود بيوم ليس المقابل لليل ( النهار) بل اليوم يعني عدم تساوي ساعتين او لحظتين. إذن الإنصاف الفكري يعني اليقظة من الغفلة و لابد من التوجة للحركة يقول أيضاً رضى الله عنه ( الغفلة ضلال النفوس)و ( إن الصاعقة لا تصيب ذاكراً لله عز وجل) وتؤكد دكتورة زينب فى بحثها أن الغفلة عن ذكر الله لا تتناسب مع تهذيب الروح، و بما أن الله يقول ( فملاقيه) فلابد من الحركة. و بما أننا نحافظ على الأموال لأن الغفلة عنها تجلب الخسارة و الضرر إذن لماذا نغفل عن التزكية و تهذيب الروح يقول تعالى: (( وَ الْعَصْرِ إِنَّ الْانسَانَ لَفِى خُسْرٍ) وفى لفتة انتباه لأمر هام تقول الدكتورة زينب آل سالم : إن الشيطان لا يتوعد بالخسائر المادية بل يتوعد بخسارة الإيمان. إذن فالإنصاف مع الله التوجه له فهناك موانع تحصل للإنسان تحيله عن بلوغ الإنصاف مع الله ، أهمها الغفلة. وتستدرك دكتورة زينب الحديث قائلة لقد كررنا عبارة - تربية النفس امر محال او صعب جدا الى ان صدقنا و آمنا فلم نتحرك للتهذيب. لنتأمل في كلمات سيدنا علي رضى الله عنه حيث يقول مع ما وهب من العلم من الله على يد سيد الخلق والمرسلين المصطفى صلى الله عليه وعلى آله طيبين الطاهرين: ( ان ربي وهب لي قلبا عقولاً و لساناً سؤولاً ) ويستفاد من العبارة القلب العقول المفكر و العامل بما يعلم ، و اللسان السؤول كثير الأسئلة بحيث يتعلم ما لا يعلمه. فاذا أدركنا المشكلة إذن يكمن السؤال ما الحل؟؟؟ فتهذيب النفس لا يتحقق بدون معرفة المشكلة و حلها .الذى هو بدوره كامن في امور منها : 1- المراقبة في الكلام، الجلسات و المحادثات، المسموعات، الطعام، و الملبس.اما الجلسات فهي مملوءة للأحاديث هل كلامنا يتخلله الحرام، او الحلال حيث يقول العلماء أن الشخص الذي يتلفظ بالسب و الشتم دليل على عدم نقاء القلب، اذ ليس من الإنصاف استخدام نعم الله عز و جل فيما حرمه. واللباس لابد ان يكون حلال و لا يكون لباس شهرة و هكذا ... 2- ذكر الله كل شيء له حد لا إفراط و لا تفريط لكن ذكر الله ليس له حد حيث يقول تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا). بحيث تصبح لديه ملكة الذكر، مما ينتج عنه ذكر الله في حال العبادة او غيره، وهنا يتضح الفرق بينه و بين الآخرين. وإصلاح النفس تكليف الإلهي. المراقبة و الذكر هي حلول لمشكلة الغفلة. و الحلول امور حسنة لان الهدف منها الإنصاف مع الله و يقول تعالى ( من جاء بالحسنة فله خير منها) و قوله تعالى ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ونستفيد من الآيتين اي شخص يراقب نفسه ساعة واحدة ستكون النتيجة مراقبة عشر ساعات. أما عوامل اليقظة فهى : - الخوف من النار ..- الشوق للجنة ..- الاشتياق للقاء الله. فاليقظة للقاء الله تتطلب سوء الظن بالنفس، و حسن الظن بالآخرين. والمقصود من سوء الظن بالنفس حالة نفسانية تبعث على التأمل في الإعمال و الأفكار و العبادات، لا الوصول الوساوس الشيطانية، بل التدبر و التأمل. فالبعض يعيش حالة الظنون الباطلة والسالك يرى نفسه في محضر الله و كل الموجودات مظاهر و تجليات الإلهية. و يصف الله اصحاب الظنون الباطلة ( ألم يعلم بان الله يرى) ( أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا و أنكم إلينا لا ترجعون) و قال ( أيحسب الانسان ان لن نجمع عظامه) و ( يحسبون أنهم مهتدون) و ( وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) و يصف قلوبهم ( و أفئدتهم هواء) إذن من طرق تهذيب و تزكية الروح المعرفة الصحيحة. و المعرفة الصحيحة التوحيدية الربانية فالسالك المنصف هو الذي يتحرك نحو الواجب و يتجنب و يفر من الحرام و المكروه .. إذن المنصف مع الله هو المتحرك نحو الحق و الحقيقه وهو طريق واحد ومعروف.